[ALIGN=CENTER]سؤال من البروف مصطفى [/ALIGN]
للفنان الكبير محمد ميرغني أغنية من كلمات الشاعر الكبير التيجاني الحاج موسى جاء فيها (بفرق كتير واتحسب كل يوم يمر/ بفرق كتير طعم الحلو لو يبقى مُر)… تذكرتها وأنا أقف عند السؤال الذي طرحه البروفيسور مصطفى ادريس في مقالاته ذائعة الصيت التي كتبها في هذه الصحيفة في شكل خطابات مفتوحة للسيد رئيس الجمهورية التي حاول فيها تشريح الوضع السياسي الحالي، فطرح في إحداها سؤالاً طالباً من أهل المؤتمر الوطني أن يوجهوه إلى أنفسهم وهو: هل فازوا في الانتخابات الأخيرة لأنهم أفضل الموجودين في الساحة السياسية أم لأنهم أقلّ السيئين سوءاً؟. في تقديري أنّ هذا السؤال في غاية الخطورة والأهمية، ويمكن أن يكون مدخلاً لخارطة طريق سياسية جديدة، ولعلّ هذا الذي كان يرمي إليه البروف مصطفى، فالفرق بين خيارات الإجابة كبير جداً كما قال التيجاني الحاج موسى، لا بل وكتير جداً. نعم، النتيجة واحدة وهي أنكم فزتم في الانتخابات بغض النظر عن عما قيل في هذه الانتخابات، والنتيجة أنكم أصحبتم حكاماً لسنوات قادمات، ولكن (هناك فرق) بين أنك قد أتيت لأنك أفضل الموجودين على الساحة أو أنك أقلّ الخيارات سوءاً، أو كما نقول بالعامية السودانية (خيار أم خير لا هو خير ولا الموت أخير)، وعند المتنبئ من (من نكد الدنيا على المرء أن يرى عدوّاّ له ما من صداقته بدُّ). أوضاعنا الاقتصادية المتردية لا تحتاج لدليل، فالمديونية فاقت الـ34 مليار، صادراتنا الزراعية كل عام متراجعة، نعتمد على صادر (البترول) والمنتج منه قليل واحتياطيه قليل واستهلاكنا له زائد وبعد تقرير المصير سيكون بين (الريّة والتريّة)، التصحُّر يزحف علينا بمعدلات كبيرة، الصناعة منهارة، التجارة مثلها. هذا من ناحية اقتصادية أما من ناحية سياسية فحدِّث ولاحرج ويكفي أنّ كياننا في انتظار الانشطار. المهم بيننا وبين الاستقرار السياسي بيداً دونها بيدُ، أما اجتماعياً فالإنفراط يهدد كل أوجه حياتنا. أردنا القول في هذا التطواف الحزين إنّ واقعنا العام لا يسُر صديق ولا يُسعد حبيب لكي نقول إنّ القائمين على أمر السياسة في بلادنا مؤسسات وأفراد كلهم (مش ولا بد)، وبالطبع هذه مُخففة جداً وحتى لو كان هناك أفراد خيّرين فإنّ المؤسسات المُتكلسة قضت عليهم. فبالتالي تكون الإجابة على سؤال البروف مصطفى واضحة. إذا اقتنع أهل المؤتمر بأنهم الآن أقلّ السيئين سوءاً فهذا يتطلب منهم خارطة طريق سياسية جديدة، ولعلّ عتبتها الأولى هي الاعتراف بهذا الواقع، ومن ثم، العمل على تغييره. ثم ثالثاً إنّ هذا الوطن وأي وطن مثل الشجرة لا يمكن أن يخضرَّ منها عود ويذبل آخر، فالشجرة إما أن تخضرَّ كلها أوتيبس كلها. من هنا لابد من العمل مع الجميع لتغيير كل الدائرة الذي يدور فيها الجميع، وهذا يعني الاعتراف بالآخر طالما أننا كلنا في السوء شرق. هنا سوف ينتفي عامل المنافسة نهائياً، ولابد من سياسة شيلني واشيلك وساعدني واساعدك، فكلنا كحيانين وتعبانين. إنّ ما أضرّ بهذه البلاد في العشرين سنة الأخيرة هو غياب الإحساس بالمنافسة، فالمعركة عندما تكون في غير معترك تعتبر هدراً للامكانات الشحيحة. إنّ الاعتراف بالسوء مطلوب من الجميع وليس أهل الإنقاذ وحدهم. لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وهذا معلوم بالضرورة. تغيير النفس يعني تغيير الرؤية، والرؤية الجديدة يجب أن تسبق الخطة الجديدة ثم يتبع ذلك خارطة طريق جديدة. من هنا يكتسب سؤال البروف أهميته لأنه مدخل لرؤية جديدة، ولعلّ هذا هو الذي حاولناه هنا، فقد يرى غيرنا أصوب مما نرى.. المهم هو أن نقترب من السؤال لأنّ الإجابة عليه تُغيِّر الدواخل.
صحيفة التيار – حاطب ليل- 6/7/2010
aalbony@yahoo.com