الخرطوم والثورات العربية .. مواقف متباينة

[SIZE=5]المراقب لمواقف الخرطوم من ثورات العربية يجده غير واضح تماماً، فالخرطوم التي كانت متحمسة للثورة المصرية، وداعمة بالسلاح لثوار الثورة الليبية، تقف في منطقة رمادية مما يجري في ثورتي سوريا وشباب الحراك الثوري في اليمن، وفيما تساءل البعض عن ماوراء موقف الخرطوم مما يجري في صنعاء، فإن شيئاً من الحيرة لفهم وهم يرون على كرتي وزير الخارجية يزور دمشق على أيام الأزمة الأولى في دمشق ويعلن مساندة الخرطوم لها، قبل أن يتماهى موقف الخارجية مع موقف جامعة الدول العربية مؤخراً من الأزمة في سوريا، ذات الأزمة التي بدا الشعب، أو على الأقل بعضه متقدماً على الحكومة في تحديد موقفه مما يحدث في سوريا حسبما تشير تظاهرة الدعم وهتافات التأييد للثوار السوريين في الخرطوم.

ويذهب مراقبون إلى أن العمل الدبلوماسى يقتضى أحيانا أن تكون مواقف الحكومة هكذا غير واضحة تماماً. فبقراءة لمواقف السودان لما حدث بالبلاد العربية نجد انه وقف مع النظام السوري في بادئ الأمر، ووصف ان ما يدور من احداث بانه مؤامرة دولية وان ما تتعرض له حملة عدائية للنيل من مواقفها الوطنية والقومية المشرفة واشارت وزارة الخارجية ان دمشق تقف سدا منيعا فى وجه الاختراق الصهيونى والاحتواء الغربى وكان وزير الخارجية على كرتى اكد وقوف السودان ودعمه الكامل لسوريا فى مواجهة ما وصفه بالمؤامرة الدولية والحملة العدائية التى تتعرض لها.
ويبدو ان هذا الموقف يأتى على خلفية العلاقة الجيدة بين سوريا والسودان، وقبل أن تسيل الكثير من دماء الأبرياء بعد أن كشّر الأسد عن أنيابه، ولكن نجد ان هذا الموقف انحرف الى اتجاه آخر، أو بالأحرى عاد إلى مساره الصحيح، حيث اعلن وزير الخارجية بانه لابد من وضع حد لاراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان بما يشير لانحيازه لخيار تنحى القيادة السورية ،هذا بجانب السماح لخروج مظاهرة تساند الثورة السورية ومنددة بممارسات قمع الرئيس السورى ضد المواطنين السوريين.
وأكدت تلك المسيرة أن الشعب السودانى يقف فى خندق واحد مع الشعب السورى ولكن هذه المواقف المتباينة اعتبرها مراقبون أنها تأتى فى إطار العمل الدبلوماسى واحيانا لا تنفصل عن المواقف العربية، فما أعلنه وزير الخارجية مؤخرا يأتى فى سياغ ما دعا اليه وزراء الخارجية العرب تجاه ما يجرى فى سوريا عقب إجتماعهم بمقر الجامعة. واعتبروا أن الموا قف السودانية تجاه الاحداث بسوريا تأتى فى اطار العلاقات المتميزة بينهما، ودللوا على ذلك بانه فى الايام الاولى للأحداث أوفد الرئيس مبعوثا رئاسيا للرئيس السورى عقب اتصال هاتفى بينهما اطلعه المبعوث على كل الوثائق والقوانين المتعلقة بالحريات والحكم الفيدرالى فى اشارة الى ضرورة معالجة الاوضاع بسوريا حتى لاتتفاقم بالصورة التى وصلت اليها حاليا ومن هنا يتضح ان الحكومة السودانية حاولت تقديم النصح للرئيس السورى بحكم العلاقات الوثيقة التى تجمع الحكومتين الا انه على ما يبدو ان بشار لم يأخذ بنصيحة البشير ما جعل الاوضاع تسير نحو هاوية سحيقة وهذا ربما جعل السودان يدير ظهره عن وقوفه مع القيادة السورية.
ايضا مواقف السودان من الثورة اليمنية لم تكن واضحة كما كانت تجاه الثورات بمصر وليبيا، وربما كان ذلك بسبب المواقف العدائية التى تتخذها القيادة الرئاسية بكل من مصر وليبيا وان لم تكن تلك العدائية بشكل سافر فى مصر كما فى ليبيا. لذا فعقب نجاح الثورة المصرية قال البشير ان المستفيد الثانى من الثورة بعد الشعب المصرى هو السودان وكانت اول زيارة من رئيس دولة هى زيارة البشير واول زيارة لرئيس الوزراء المصرى الجديد د.عصام شرف للسودان واعقبتها زيارة وفد من شباب ثورة مصر ما يشير الى عودة العلاقات بين مصر والسودان التى ساءت بشكل لافت ابان عهد مبارك .
اما الموقف السودان من الثورة الليبية، فكان اكثر وضوحا، ربما بسبب علاقة الكر والفر بين الحكومتين السودانية والليبية ليست فى عهد هذه الحكومة بل على مر الحكومات التى تعاقبت ابان حكم القذافى. وحسب مراقبين، فان الحكومة كانت تتعامل مع المواقف العدائية للقذافى بكثير من الصبر او عدم التعامل بردود الافعال برغم قناعتها بان الزعيم الليبى هو الذى دعم حركة قرنق بالسلاح ومد الحركات الدافورية بالمؤن والعتاد وحرض الحكومة التشادية فى الفترات السابقة على عدم تطبيع علاقاتها مع السودان. وعقب اندلاع الثورة الشعبية وبعد ان عمد النظام الليبى على قصف المواطنين فالحكومة السودانية ساندت وبقوة قرار الجامعة العربية بفرض حظر جوى دولى هذا الى جانب الزيارات التى قام بها عدد من المسئولين الى ليبيا على راسهم النائب الاول لرئيس الجمهورية ووزير الخارجية على كرتي منذ ان استولى الثوار على طرابلس ما يؤكد دعم السودان للثوار الليبيين.. دعم اشار اليه رئيس الجمهورية صراحة حينما اعلن تزويد حكومته مقاتلى الثورة الليبية بالمال والعتاد والسلاح من قبيل رد الزيارة لدعهم لهجوم خليل على أم درمان في مايو 2008م.
[IMG]http://rayaam.info/news_images/121214321041031.jpeg[/IMG] وبين المواقف التى اتخذها السودان بوضوح تجاه الثورات الليبية والمصرية وتلك التى شابتها بعض الضبابية نظراً لما تتطلبه المواقف الخارجية من حذر دبلوماسى، وان الموقف الرسمى لا يكون واضحا بشكل قاطع ما لم تتوافر حيثيات ذاك الموقف حتى لاتؤثر على العلاقات الخارجية بينما المواقف الشعبية لن يكون لها تاثير لانها لاتمثل الدولة.
وقال السفير ميرغنى سليمان ان الراى الشعبى لايمثل تناقضا مع الراى الرسمى ان لم يتوافق معه، فالموقف الرسمى يتعامل مع القضايا الخارجية بكثير من الدبلوماسية والحذر وبالضرورة لايعكس الراى الداخلى الذى يعبر عن الراى العام وقطاعات الشعب. واشار فى حديثه لـ (الراى العام) ان طرح الراى الرسمى يستخدم معادلات دبلوماسية جيدة وحذرة حتى لاتؤثر فى علاقاتنا الخارجية ومن هذا المنطلق لا يعتبر ان مواقف السودان متناقضة وربما تكون فى بداية الامر غير واضحة لحساسية الموقف تجاه بعض الدول .
مهما يكن من أمر، فإن تحديد موقف السودان وفق منطلقات دبلوماسية ربما اشار اليه العبيد احمد مروح فى حديثه لـ (الراى العام) حيث قال ان السودان حاول ان يقدم حلولاً عن كيف يتم الاصلاح في سوريا دون اراقة الدماء. فالحالة السورية بدت وكانها تمهيد لتدخل اجنبى وهذا ما لايتوافق مع السياسة السودانية فمن مصلحة السودان استقرار سوريا وتمكين الشعب اختيار ممثليه ولكن لانستطيع فرض ذلك لا على الثوار، او الرئيس السورى، بل فى اطار المناصحة. واعتبر ان موقف وزير الخارجية فى اطار الموقف العربى، واضاف اننا ايدنا التغيير فى مصر وتونس لان جوهر القضية عندنا الاصلاح والتحول الديمقراطى والتداول السلمى للسلطة، وقدمنا تجربتنا التى نعتبر انها جيدة. واشار الى ان جوهر مواقفنا تجاه اليمن يعتمد ايضاً على رفض التدخل الخارجى، اما الموقف السودانى من ليبيا فهو حالة خاصة ولا يقاس عليها لان العلاقة بينهما علاقة كر وفر فى عهد القذافى مع كل الانظمة لذلك كان الموقف واضح تجاه الانحياز للثوار.[/SIZE] الراي العام
تقرير: سامية علي

Exit mobile version