عبد اللطيف البوني

نحروه أم انتحر؟


[ALIGN=CENTER]نحروه أم انتحر؟ [/ALIGN] كنت ومازلت أعتقد اعتقادًا جازمًا أن قطاع الشمال في الحركة الشعبية كان طليعة الوحدة الحقيقي في السودان، فالشماليون الذين انضموا للحركة قد ركبوا قطارًا يسير في قضيب الوحدة وأنهم خرجوا على المألوف الشائع الذي كان يتمثل في انضمام الجنوبيين للأحزاب الشمالية، فهؤلاء قد انضموا إلى حزب جنوبي في نشأته ولحمته وسداه، فالمتمردون على المألوف هم الذين يغيرون التاريخ. الآن الأمر البائن لنا أن الشماليين في الحركة قلَّت فاعليتهم وأصبحوا على هامش الأحداث كما جاء في مقال الدكتور الواثق كمير الذي كان بعنوان (قطاع الشمال في الحركة الشعبية تمثيل مؤسسي أم إشراك مظهري؟ ) والحركة بقلبها الجنوبي النابض متجهة نحو الانفصال، لا بل حتى لو كانت هناك وحدة فإن نصيب فكرة السودان الجديد منها سيكون ضئيلاً الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل هؤلاء السادة تم (تدقيسهم) أي غُرِّر بهم وأن فكرة السودان الجديد كانت شراكًا لجذبهم أم أن مجريات الأحداث بدءًا برحيل القائد المؤسس وانتهاء بإجازة قانون تقرير المصير هي التي حرفت الحركة عن مسارها؟ أم تم إضعافهم نتيجة عوامل متداخلة ذاتية وموضوعية فكان ما كان؟ في تقديري أن هذا الأمر الأخير أي الإضعاف هو السبب في هذا التهميش الذي حدث لهذا القطاع هذا إذا افترضنا صحة وقوع التهميش والإضعاف نتيجة لعوامل ذاتية وموضوعية، فبمجرد أن تم التوقيع على الاتفاقية وشُكِّلت مؤسسات الحكم ودخل الشريكان في الشراكة كان التنافر واضحًا بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال وكان الطرفان دخلا في الشراكة وهما يحملان مرارات وعداءات الماضي، ماضي ما قبل انضمام الشماليين للحركة واستلام الإسلاميين للسلطة في الخرطوم، فالمؤتمر الوطني لم يتجاوز في نظرته للقائد ياسر عرمان ذلك الطالب (الركاني) بجامعة القاهرة فرع الخرطوم الذي كان ينطق باسم الجبهة الديمقراطية ومنصور خالد ذلك المفكر العلماني الذي يعادي النهج الإسلامي وعلى ذلك قس وبالطبع لا نعفي الأخيرين من التمسك بذات الحزازات القديمة فقد بدوا وكأنهم دخلوا الخرطوم فاتحين أو على الأقل رغم أنف الجبهة القومية الإسلامية، هذا التنافر القائم على سوء الظن أرهق الطرفين وباعد الشقة بين الشريكين. الحركة الشعبية ممثلة في قطاعها الرئيسي وهو القطاع الجنوبي استغلت التنافر بين الوطني وقطاع الشمال بانتهازية عالية فدعمت قطاع الشمال ليكون لها رأس حربة في الخرطوم في التباري ضد شريكها ولكي يحشد لها الدعم الشمالي وأبعدته عن الجنوب و(طعمته ) بمفرزة ممن يطلق عليهم أولاد قرنق من الجنوبيين (باقان ولينو وألور) فأخذ قطاع الشمال شكلاً قوميًا وتمدد إقليميًا ودوليًا وأصبح هو المتصدي للوطني بينما كان القطاع الجنوبي (سيد الجلد والراس) يدير حوارًا من نوع آخر مع الوطني فكان الترشيح لرئاسة الجمهورية وما أعقبه من انسحاب هو الضربة الموجعة لقطاع الشمال ثم أعقبه قيادة باقان أموم وإدوارد لينو ودينق ألور لقطار الانفصال وبصفارة عالية وأخيرًا الإشراك المظهري في مؤسسات الحكم الذي أشار إليه دكتور الواثق، إن وأد قطاع الشمال في الحركة الشعبية ـ إذا كان هذا الوأد صحيحًا ـ يُعتبر من الفرص الضائعة في السياسة السودانية وما أكثرها!.

صحيفة التيار – حاطب ليل- 22/7/2010
aalbony@yahoo.com