جعفر عباس
الكلاب والكرز
وبسبب كثرة الضباع في محيط المدرسة شجعت ادارة المدرسة الكلاب الضالة على المرابطة حول المدرسة، وكانت فضلات الطعام كفيلة بإقناع كل كلاب المنطقة، بمن فيها الكلاب المستأنسة في البيوت على الإقامة الدائمة في المدرسة، وهكذا تخلصنا من الضباع، وآلت السيادة الى الكلاب التي ما ان اشتد ساعدها حتى باتت تقتحم عنابرنا ليلا لتسطو على زادنا من القرقوش (البسكويت البلدي) والتمر، فكان لابد من مواجهة معها، وهكذا وجدنا فرصة استخدام “الكُتَتيب” وهو شرك يصنع من اعواد الخشب والحبال، وفعال جدا في اصطياد الكلاب، وقتلها شنقا،.. وذات ليلة اثنين كنت مكلفا بتقديم محاضرة ضمن نشاط الجمعية الادبية عن “سبل كسب العيش في السودان” وهو مقرر الجغرافيا العتيق الذي كان يتضمن رحلات الى مختلف أقاليم السودان مثل القولد وريرة والجفيل وود سلفاب وبورتسودان وعطبرة وغيرها، للتعرف على جوانب من الحياة فيها، ولسوء حظي كان هناك كتتيب منصوب شرق المدرسة، وكلما نطقت بجملة اصدر كلب عويلا ينم عن ان حبل المشنقة التف حول عنقه، فيتركني الطلاب واقفا مثل الأهبل، ويندفعون لقتل الكلب، ولما تكرر الأمر نحو عشر مرات، شكل المدرسون فرقة إعدام، لأعضائها وحدهم حق ترك المحاضرة لقتل الكلاب، وانتهت المحاضرة بالتصفيق، وقدم لي احد المدرسين جائزة، كانت علبة حسنة الشكل عليها كلام باللغة الانجليزية المركزة من خارج “المقرر، ولم أكن قادرا وقتها على فك طلاسمه، واحتفظت بالعلبة لمدة طويلة وأنا لا أعرف ما فائدتها وقيمتها، وبعد أكثر من سنة او سنتين، سافرت بتلك العلبة الى المدينة الكبيرة لزيارة والدي، وعرضتها على قريب لي نشأ في المدينة، ولكنه اعترف بأنه لم ير لها نظيرا، وهكذا جلسنا في مكان منعزل وأتينا بسكين وشاكوش أزلنا غطاءها ووجدنا بداخلها مواد كريهة الرائحة تعلوها طبقة رمادية وتجوس فيها ديدان صغيرة، ولو كان المدرس الذي أهداني تلك العلبة واقفا أمامي في تلك اللحظة لضربته بالشاكوش والسكين: هل يعتبرني وحشا حتى يهديني علبة مليئة بالديدان”؟ وعرفت لاحقا أنها كانت علبة كريز.. وانتهت صلاحيتها، وانا أخبئها في شنطتي الصفيحية.. وضاعت علي بذلك طفرة طبقية أخرى حيث لم أعرف طعم الكريز إلا بعد مرور نحو عشر سنوات على نيلي لتلك الجائزة”.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com