عبد اللطيف البوني

الجو جو فول


[ALIGN=CENTER]الجو جو فول [/ALIGN] كثير جدًا من الأمثال الشائعة والأقوال المأثورة نبعت من واقعة خاصة ثم انفصلت عنها وأصبحت تُستخدم في سياق آخر أكثر عمومية وأكثر انتشارًا وبالتالي يضعف الرابط بين خصوصية الواقعة التي نبع منها القول وعمومية الاستخدام، ولكن هذا الرابط لاينتفي تمامًا لا بل لا يعيق عمومية الاستخدام، وقد حاولنا في هذا المكان من قبل (التأصيل) لكلمة ماسورة الشائع الآن في الإستادات الرياضية لا بل دخلت عالم الاقتصاد (سوق المواسير) وقد أوردنا القصة أو الأسطورة التي نبعت منها مقولة الماسورة وهي قصة القرد واللبوة والأسد و(وداك الماسورة) فلامنا البعض على جرأتنا الزائدة وحيانا البعض على ما اعتبره طرحًا موضوعيًا. المثل الذي يقول (الفقرة اقتسموا النبقة) لها قصة من نوع قصة الماسورة لا بل أشد جرأة لن نستطيع إيرادها هنا، ويكفي أن نشير إلى أنها نبقة وليست النبقة المعروفة فالأفضل أن نترك المثل على شيوعه فهو مثلٌ جميل يدعو للتعاون والتعاضد في أعمال البر والإحسان وليس في اقتسام نبقة، أما قصة (سيد الرايحة يفتح خشم البقرة) فهي أيضًا طريفة ومن شاكلة قصة الأسد واللبوة والقرد والماسورة أيضًا يتعذر ذكرها فالمثل بصورته الحالية جميل وإن كان بالقصة سيكون أجمل (اعذرونا ياجماعة ففي فمنا ماء) أما الجو جو فول فقصته معروفة لدى القراء وما زالت متدوالة بيد أنه هو الآخر قد انفصل من تلك الواقعة الحقيقية وأصبح يشير إلى أكل الفول المصري العادي (فول الله والرسول) ففي هذه الأيام أصبحت صباحات السودان أو على الأقل معظم أنحاء السودان خريفية رائعة الحسن تهب عليها الرياح الجنوبية الرطبة ويصبح كل الجو (مكندشًا) وغالبًا تكون هناك غيوم متلبدة والشمس محتجبة وينعكس ذلك على الوجوه التي تصبح مطروحة فالشمس هي السبب في (صرة الوجه) فكل هذا الجمال الطبيعي أصبح الناس في السودان يترجمونه في (الجو جو فول). الجو جو فول لم تعد مصطلحًا سودانيًا يشير إلى حالة معينة من الطقس بل خلقت سلوكًا عمليًا يتمثل في اتجاه الناس حقيقة إلى أكل الفول في الفطور فقد رأيت بأم عيني الناس يتدافعون إلى الأماكن المتخصصة في بيع الفول في العاصمة لدرجة أنه إذا فكرت في وجبة فول فلن تجده بعد الثانية عشرة صباحًا فالفوال الذي يقع على مرمى حجر من مبنى هذه الصحيفة كان فول الفطور لديه (يلاقي) العشاء ولكن هذه الأيام (يشطب) قبل أن تصل الشمس كبد السماء فسألته لماذا لا يزيد الكمية فقال إن الغيوم ذات حدين فإذا لم تهطل الأمطار فإن الناس يتدافعون على(قدرته)، أما إذا هطلت الأمطار ولم يخرج الناس من منازلهم فإن فوله سوف (يبور). الذي يحيرني هنا لماذا أُثرت هذه المقولة على سلوك الناس (الأكلي) بهذه الصورة ففي هذه الأجواء الخريفية الجميلة الغائمة كان يجب أن يكون الجو جو سمك أو شية أو حتى قراصة بالدمعة أو أم رقيقة، ما أبسط هذا المخلوق المسمى إنسانًا ولكن الحق على ذلك العريس الذي تسبب في ترويج الفول فضايق (الفوالة) في وجبتهم المفضلة.

صحيفة التيار – حاطب ليل- 24/7/2010
aalbony@yahoo.com