تحقيقات وتقارير

سياسة الدعم… توازن اقتصادي سياسي

[ALIGN=JUSTIFY]شيئا فشيئا تظل سياسة الدعم للسلع والخدمات لدول العامل الثالث احد المتطلبات الاساسية للمواطنين لتخفيف الاعباء المعيشية عليه في كل ميزانية، خاصة لسكان الدول التي يقع معظم سكانها تحت خط الفقر، واصبح الدعم يأخذ اشكالا مختلفة غير الاقتصادي والاجتماعي المعهود عبر العامل السياسي لتلك الدول.
فأي من الدول التي تعمل على سياسة الدعم للمواد البترولية في حال شروعها في إلغاء الدعم او تحجيمه فان التظاهرات ستكون مادة دسمة لوكالات الانباء لتلك الدولة، ولا يعد السودان شاذاً عن هذا الوضع. فوزارة المالية لا تزال تقدم الدعم في عدة جوانب وهي دعم المحروقات بمختلف أنواعه الى جانب الكهرباء وذلك للعمل على المحافظة على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الى جانب السياسية مستقرة ودون اى توترات في أي من المناطق المختلفة خاصة في ظل الاوضاع السياسية التي تعيشها البلاد.فالمواطن السوداني ظل ولا يزال يترنح من الموجات الكبيرة للاسعار منذ بداية العام وخاصة شهر رمضان المبارك في ظل توقعات بأن تظل الاسعار في مستوياتها العليا حتى نهاية العام، ليظل المواطن مترقبا لميزانية العام القادم والتي جاء منشور موازنتها متضمنا لدعم استهلاك الكهرباء الى جانب الابقاء على دعم اسعار المواد البترولية بالاضافة الى العمل على محاصرة التضخم وانعكاساته على الدخول وتكاليف الإنتاج والقوة الشرائية للعملة الوطنية إلى جانب الإلتزام بالرؤية الكلية في تخصيص الموارد للمشروعات الإستراتيجية في الموازنة العامة.غير ان سياسة الدعم تعد في اغلب الاحيان عبئاً ثقيلاً على الموازنة العامة للدولة عبر انفاق مزيد من الاموال على دعم مواد اساسية في حياة المواطنين تعد من ابرز متطلباتهم المعيشية، حيث تدخل في كافة تفاصيل الحياة وعلى رأسها المواد البترولية، وبلغ الاعتماد السنوي لبند استهلاك الكهرباء للعام الماضي (247) مليون جنيه، فيما بلغ الاداء للنصف الاول من العام الماضي (108.4) ملايين جنيه بنسبة اداء (87%).
احمد رفعت استاذ الاقتصاد يرى ان هناك ايجابيات عديدة للدعم إضافة الى جوانب ايجابية ويضيف ان الجوانب السلبية تتمثل كمردود اجتماعي في المقام الاول خاصة اذا لاحظنا انخفاض دخل الفرد بالسودان وارتفاع خط الفقر ليغطي جزءاً كبيراً من شرائح المجتمع وبالتالي فان الغالبية العظمي من المواطنين لا تستطيع ان تحتمل آثار اي سياسة اقتصادية تؤدي الى رفع الدعومات خاصة في ظل الارتفاع المتزايد لمعدلات التضخم وراتفاع تكاليف المعيشة. ونوه الى ان رفع الدعم سينعكس سلبا على اسعار السلع والمواد الغذائية والحاجات الضرورية للمواطن على المدى القريب. ويرسم رفعت صورة قاتمة للاستمرار في سياسة الدعم. ويشير الى ان ذلك يضر بالاقتصاد بصورة كبيرة لانه يستنفذ جزءاً كبيراً ومقدراً من ايرادات الدولة النفطية الامر الذي يزيد من حجم العجز في الميزانية وهو الذي بدأت تعاني منه الميزانية منذ العامين السابقين، كما انه يضر كثيرا باستقرار الاداء المالي ويضعف من مرونة الميزانية اذ ان اى ارتفاع ولو طفيف في اسعار هذه السلع سيترتب عليها دعومات ضخمة وغير متوقعة.
الا ان تجارب الدول المختلف التي لجأت الى الغاء دعم الدولة للمواد الاساسية عانت من مشاكل داخلية عديدة. ويعد الاردن احد تلك الدول التي عانت من مشاكل. حيث طبقت الحكومة الاردنية زيادة في الاسعار بداية العام الحالي وصلت الى (75%) الامر الذى ادى الى زيادة كبيرة في بقية الاسعار المختلفة الامر الذي ادى الى موجه من السخط في اوساط المواطنين، غير ان الدول التي يعيش اغلبية سكانها تحت مستوى الفقر فالنتائج تكون أسوأ من حالة السخط اذ يمكن ان تتطور لتصبح انتفاضة ضد الحكومة نفسها، ويرى خبير فضل حجب اسمه ان الحكومة مجبرة على مواصلة الدعم لتلك السلع خلال الفترة القادمة خاصة وان الانتخابات على الابواب وستكون عاملاً مؤثراً جداً في مثل هذه القرارات، وشدد ان المواطن اصبح لا يتحمل أية زيادة في اي من البنود الاساسية له بما فيها الوقود والكهرباء والمياه حيث تكون هذه الزيادات ذات اثر سلبي وكبير عليه.
وستواجه الحكومة في حال انفاذ هذه السياسة بضغوط كبيرة من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين واللذين يمارسان ضغوطاً عديدة على الدول التي تقوم بتخصيص بنود لدعم السلع المختلفة وهو ما ظهر خلال العام الماضي عندما زار وفد منها الخرطوم وتحدث صراحة الى وزير المالية السابق الزبير احمد الحسن عن ضرورة تحجيم الدعم الذي تخصصه للمواد البترولية، الى جانب الكهرباء، الا ان هذا الاقتراح وجد الرفض من قبل الوزير لان الظروف لا تسمح بهذا الامر واعتبره مهددا للاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالبلاد، ويذهب في هذا الاتجاه استاذ الاقتصاد احمد رفعت الى ان الصندوق والبنك الدوليين يبديان قلقهما من التوسع في القروض للدول التي تتوسع في سياسية الدعم اضافة الى ان ذلك يخلق عقبات مستقبلية عديدة للبلاد خاصة في جانب الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.واشار رفعت الى ان الآثار السالبة الاخرى هي تبني الدولة لسياسات انفاق توسعية وهي سياسة لا يوصي بها لدول تعاني اساسا من معدلات تضخم مرتفعة كما ان التوسع في دعم الكهرباء يزيد من حجم الاستهلاك للقطاع السكاني الامر الذي سيضر كثيرا بالقطاعات الصناعية، اضافة الى انه سيزيد من استهلاك النفط. فاذا علمنا ان السودان ما زال يستورد مواداً بترولية مثل الجازولين فان ذلك يزيد من حجم الواردات منها الامر الذي يضر سلبا بالميزان التجارى وميزان المدفوعات وبالتالي فان السياسات التي اتخذتها وزارة المالية هي علاجات موضعية ستكون آثارها سالبة للغاية.
وستكون وزارة المالية في موقف لا تحسد عليه خلال الميزانية العام القادم ففي حال تطبيق بند الدعومات فانها ستكون امام معضلة صندوق النقد والبنك الدوليين عبر التشدد في منح القروض نتيجة لتوسع هذا البند، غير ان حالها سيكون ليس بأفضل في حال رفع الدعم عن البنود التي عهدها المواطن ممثلة في الوقود والكهرباء ليكون محصلتها عدم استقرار اقتصادي واجتماعي وسياسي في وقت تخوض فيه الاحزاب الانتخابات خلال العام القادم.
محمد إدريس :الراي العام [/ALIGN]