[ALIGN=CENTER]دلوكة خمجانة [/ALIGN]
يُحكى عن جدنا ود بليلة أنه كان محبًا للطرب وزاهدًا في متاع الدنيا، وكان إذا وجد دلوكة (يخلص فيها) لدرجة البطان، وبعد انتهاء (اللعبة) يدعو ست الدلوكة قائلاً: (نحن أهلك البليلاب حيران الشيخ أم محمد علي وبيوتنا قدام الحلة أكان جيتي هناك ضروري تنزلي فوقنا)، ويُحكى أنه في ذات (طربة) جاء ابنه وأخبره بأن نعجته الوحيدة قد ماتت فرد عليه بالقول (كجنة تزيد الفيها أنا أصلي مكجنها) أي كراهية تزيدها موتًا على موتها فهو أصلاً كارهها. تذكرت حكايات جدنا ود بليلة وأنا أتسكع في أمسية الجمعة الثالث من رمضان الجاري على القنوات السودانية فوجدتها كلها تقريبًا تعطي الطرب ساعات كثيرة جدًا في فترة بعد الإفطار وفي السهرات، ففي قناة النيل الأزرق التي عادةً ما تحرز (قوون المغربية) ببرنامجها ذي المشاهدة العالية (أغاني وأغاني) كانت حلقة الجمعة مخصصة لأغاني ترباس، فغنى ترباس مع الشباب كما لم يغنِّ من قبل، وفي ذات الوقت كان الطيب عبد الماجد يستضيف الفنان الكبير شرحبيل أحمد، وكانت في رفقته الفنانة آمال النور التي كانت تغني دي ويتو معه مع ضيوف آخرين، وفي قناة قوون كان ترباس مع الحلنقي والتيجاني الحاج موسى في برنامج يومي، أما في هارموني حيث بنات حواء والدلوكة الخمجانة الجد جد حيث حواء ست الاسم وحرم النور وإنصاف مدني وبلوبلو. لا أدري ماذا كان يوجد في الشروق وزول والأمل فأكيد توجد هناك (أغاني). عندما جاءت السهرة لمحت في القناة القومية شابة تغني غناء حماسة أما قناة النيل الأزرق فكانت سهرتها مدائح الشيخ البرعي بمناسبة الجمعة، وفي السبت كانت سهرتها مع ندى القلعة، في قناة قوون كان ترباس مع فاطمة الصادق، وفي قناة الأمل كان زيدان إبراهيم مع إبراهيم عوض وفي قناة الشروق كان هناك زكي عبد الكريم مع حسين خوجلي، وبعد السهرات أعادت كل القنوات برنامج ما بعد الإفطار، هذا يعني أنني شاهدت ترباس في (الليلة ديك) خمس مرات بالإضافة إلى أن (أغاني وأغاني) كان معه يوم السبت أيضًا فهو ملك الطرب هذه الأيام. العبد لله من أحفاد ود بليلة يعني أنه طروبي وجد محب للغناء السوداني ولكنني أصدقكم القول شعرت بأن هناك إسرافًا في الغناء أكثر من اللازم، إنه إسراف لا يتناسب مع حرمة هذا الشهر ولا مع ظروف بلادنا، إسراف يشعرك بأن شعبنا هذا غارق في الدلوكة وكأن قضاياه قد حُلت ولم يبقَ له إلا الدلوكة. باستثناء البرامج الدينية في العصريات، أي قُبيل مغيب الشمس، تبدو هذه القنوات وهي خاوية من البرامج التثقيفية والتنويرية لا بل حتى الدراما السودانية لا وجود لها إلا نزرًا يسيرًا بالمناسبة يبدو لي أن الإقبال على الدراما العربية قد قلَّ ولم يعد بذاك الاندفاع الذي كان قبل عدة سنوات لا أحد ضد الطرب والترفيه والترويح ولا أحد ينادي بعودة أيام الإنقاذ الأولى التي أدخلت الغناء في زاوية الممنوعات و(خنقت وفطست) الكثير من الأغاني التي تدعو للحب وتتكلم عن خمر العشاق، ولكن بالمقابل ما يحدث الآن من انفلات طروبي يحتاج إلى إعادة نظر، فبلادنا في حالة انعدام وزن والكائدون لها ليس لديهم دلوكة خمجانة تشغلهم وأخشى ما أخشاه أن يحدث لنا ما حدث لجدنا ود بليلة، نحن مع الطرب وتموت نعجتنا الوحيدة عندما نبلَّغ بها نقول (نحن أصلنا مكجننها).
صحيفة التيار – حاطب ليل- 16/8/2010
aalbony@yahoo.com