جعفر عباس

لبستني تهمة الاتجار في المخدرات

[ALIGN=CENTER]لبستني تهمة الاتجار في المخدرات [/ALIGN] كانت جامعة الخرطوم على أيامنا تغلي وتمور بالنشاط الثقافي والسياسي والرياضي، مثلا كان فريق كرة السلة في الجامعة هو الأفضل على مستوى البلاد كلها، وكان ذلك زمان يهزم فيه منتخب السلة السوداني كل الفرق العربية والأفريقية ولو أدى أعضاؤه المباريات وأيديهم اليمنى مربوطة خلف ظهورهم، وكان الغريب في أمر جامعتنا تلك أنها كانت الجهة الوحيدة في السودان التي لا تهتم بكرة القدم، ولم تكن بطولات الكليات في كرة القدم تحظى بأي إقبال طلابي، وطوال السنوات التي قضيتها في الجامعة لم يفز منتخب كُليتي (الآداب) بأي مباراة في كرة القدم، وفي ذات مباراة كان فريق كلية الهندسة متقدما علينا بستة أهداف للاشيء، قبل انتهاء الشوط الأول، واستفز الأمر زميلا (آدابياً) فتسلل الى حظائر شعبتي علوم النبات والحيوان، وكانت هناك خلية نحل ضخمة، ونجح بطريقة ما في استفزاز النحل فهاجمت الآلاف منه الميدان الذي كانت تقام عليه المباراة، وفتكت بلاعبي الفريقين وكان حكم المباراة اول الهاربين وألغيت المباراة، وعند الإعادة فاز فريق الهندسة علينا 9 – صفر، مع الرأفة ولسوء حظنا كان النحل قد طفش ولم تبق في خلاياه أعداد تكفي للانتقام من كلية الهندسة.
كان طلاب جامعة الخرطوم من أشعل شرارة ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بأول حكومة عسكرية في تاريخ البلاد، عندما نظموا ندوات تدعو لإسقاط تلك الحكومة، وداهمت قوات الأمن إحدى تلك الندوات وحدث صدام بينها وبين الطلاب أدى الى استشهاد احمد القرشي وصديقي بابكر حسن عبدالحفيظ (أصيب بطلق ناري مساء 21 اكتوبر وأسلم الروح في 25 نوفمبر)، وكان هناك صراع سياسي شديد بين الشيوعيين وحلفائهم من جهة وحركة الإخوان المسلمين التي كانت تسمى في الجامعة “الاتجاه الإسلامي”، ولكنه كان صراعا سلميا وديمقراطيا، فيه الكثير من التسامح وتقبل الرأي الآخر.. وكانت بالجامعة نحو ثلاثين جمعية ثقافية واجتماعية، لها مخصصات مالية رسمية، وكان من عادة تلك الجمعيات تنظيم رحلات ترفيهية لأعضائها، وكنت وقتها أسبق الطالب م. ر. بسنتين، وكان صاحبنا مغرما بالرحلات الترفيهية، وليس عضوا في أي جمعية، ومع هذا كان يتوجه صباح كل جمعة الى حيث تقف الحافلات التي تنقل الطلاب الى البساتين القريبة من الخرطوم ويركب أي واحدة منها.. وذات يوم وقع في شر أعماله، فقد نزل في حديقة غناء مع بقية الطلاب المشاركين في النزهة، وبينما انهمك الآخرون في فرش الأبسطة وإعداد وجبة الإفطار غادر م. ر. المكان ثم عاد بعد نحو ساعة ووضع أمام مجموعة من الطلاب زجاجة خمر وقال لهم: يللا ننبسط!! وبسطوه أرضا وأشبعوه ضربا، فقد كانوا جميعا أعضاء في جمعية الثقافة الإسلامية.
كان م ر مصدر صداع دائم لي بحكم أنني أعرفه قبل التحاقه بالجامعة، وبسبب سلوكه الفالت وجدت نفسي “مسؤولا” عنه، ويأتيني آخرون للشكوى منه، وفي ذات امتحان رسب عن جدارة، وكان من أسوأ ما فيه استخدامه لحشيشة البنقو (جعلها المصريون “بانجو”)، وبعد ظهور نتائج الامتحان داهمت غرفته وعثرت على كميات من البنقو في جيوب بنطلوناته وأماكن متفرقة من خزانة ملابسه، وتخلصت منها في مقلب للقمامة، واكتشف صاحبنا في ساعة متأخرة من الليل فقدان البنقو، وأقام الدنيا، فاضطر زملاؤه في الغرفة إلى إبلاغه بأن جعفر عباس كان ينبش الأشياء التي تخصه،.. كنت وقتها أسكن في الطابق العلوي لداخلية “بحر الجبل” وفي نحو الثالثة فجرا سمعت صوتا يناديني على نحو متكرر وقفت على النافذة وصحت: نعم ماذا في الأمر؟ فما كان من م. ر. إلا أن صاح: وين البنقو يا جعفر.. وصارت لازمة “وين البنقو يا جعفر” تطاردني طوال الفترة التي تلت ذلك في الجامعة.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com