صلاح شكوكو

بين الحركة والسكون

[ALIGN=CENTER]بين الحركة والسكون[/ALIGN] يحتار المرء ويستغرب، حينما يجد في دفة كتاب عتيق جدا .. ما يرتبط بالحاضر الذي نعيشه .. وغرابة الأمر عندي أننا نعتبر أنفسنا أكثر حظا من غيرنا، حينما نتخيل أمرا كالرياضة في عالم اليوم، ونتصور أن الأقدمين لم تتح لهم فرصة التعرف عليها، وكأن الرياضة قد نشأت في عصرنا هذا دون سواه .

حيث يُعّرف ابن القيم الرياضة بأنها (تدبير الحركة والسكون)، فلو تأملنا هذا التعريف الموجز، سندرك مدى الحصافة والرشاقة التي تميز بها الأقدمون، لأن مجرد نعت (الرياضة) بذات الإسم الذي نتداوله اليوم، يعني أنهم خبروها، فبالله عليكم من كان يتخيل أن ابن القيم الجوزية، قد سبق بالعرب المسلمون غيرهم في اطلاق مسمى (الرياضة)، بل عرّفها تعريفاً علميا دقيقا، ومن خلاله قيّم العلاقة الصحيحة مع (الرياضة) لعباً وممارسة وثقافة، وقد أضاف السيوطي ( وهو عالم جليل من الأقدمين) على تعريف ابن القيم بأن عرفها على انها (تدبير السكون والحركة.. البدنيين) وأنها (الحركة التي تُعِّود البدن الخفة والنشاط ).

كذلك اشار الإمام الشافعي حينما ذكر اسم (الرياضة) صراحة للتعبير عن رياضة البدن، التي تنعش الحرارة وتنشط البدن، وهذا لعمري لهو شيء عجاب، حيث كنا نظن أن هؤلاء الرواد من العلماء، قد إهتموا بشواغل الدنيا الرئيسية، وإستغرقتهم معضلاتها، حتى فاتتهم أشياء نعتبرها اليوم، جزءا من أهم همومنا ومتابعاتنا، لكننا حينما نفاجأ بأن هذا الأمر كان مستدركا منهم، نقف على حقيقة جهلنا، ليس بالأمر ذاته بل بأمر علمائنا الأفاضل .

فما أن تسمع عن إبن الجوزية أو الشافعي أو معاصريه، حتى يتسرب الى ظنك أن الأمر ديني وفقهي دقيق، لكن خيالك لن يبسط لك الأمر، لتكتشف أنك تجهل أنهم سبروا غور كثير من المسالك والدروب، وجعلوها في متناول أيدينا لكننا جهلنا أمرنا وأمرهم .

بالله عليك أخي تأمل هذا التعريف القيم ، والموجز الدقيق (تدبير الحركة والسكون)، فكلمة (تدبير) نفسها عالم فسيح من العبارة المختزلة بدقة، والقادرة على إستيعاب الحركة والسكون معا.. بينما نحن الآن محتارون في تفسير القانون وعباراته لإيجاد مخرج لعنترة بن شداد، وذلك لأننا حينما عرّفنا الكلمات لم نعرف كيف نضبطها فخرجت إنجازاتنا كسيحة، ليتسرب منها سحرة فرعون للتمديد للرجل لولاية جديدة .

ولعلك قد تستغرب أكثر حينما تجد أنه يشرح أمر (الرياضة) ، ويؤكد أنها تختلف عن ألعاب الفطرة كالمشي والحمل والرمي والقفز، الخ .. ويزداد إندهاشك أيضا، حينما تجد أن ابن سينا وقد صوّب بدقة كبيرة في تحديد تعريف علمي للرياضة، بصورة أكثر دقة عندما قال :- (الرياضة هي حركة إرادية تفطر النفس والجسم على التواتر والتوافق لاستعمالها في أعلى درجات التطويع ) .

ولهذا يعتبر ابن سينا أهم مؤسس لعلم الرياضة في جوانب متعددة، أهمها علم الحركة والميكانيكا الحيوية والطب الرياضي، وتوافق ذلك مع راي عالم الميكانيكا الحيوية والتربية البدنية (ماتفيف) ، الذي عرّف الرياضة على أنها:(نشاط جوهره المنافسة المنظمة بغرض قياس القدرات البدنية)، أما صنوه الشهير (ساج) فيعرّف الرياضة، على انها (نشاط حركي تنافسي، مردودها داخلي وخارجي يشارك فيه أفراد وجماعات، في إطار مسابقة معيارها التفوق في المهارة البدنية والاتقان) .

فلو تأملنا التعريف العصري للرياضة، وأسقطنا ذلك مع التعريف الأقدم لعلمائنا، سنتعرف على مدى الحذاقة التي كان عليها العلماء المسلمون، ومن خلال ذلك سنتعرّف على عمق الحضارة الإسلامية، والمفاهيم التي كانت سائدة فيها، والتي لو أننا بنينا عليها لما توقفنا في القضايا الصغرىوالإنصرافيةشس مئات السنين، ولما كان أمر عارض كإنتخابات الإتحاد العام ستأخذ كل هذا المداد، وهذا الوقت المهدر، وهذا الإستهلاك المفرط للأفكار والطاقات، التي كنا لو وظفناها توظيفا سليما، لكنا في طليعة الرياضة والريادة وغيرها في شعاب الحياة .

وهاهو إبن سينا بهذا التعريف، يعطينا فهما أكثر نضوجاً من الذين سبقوه، وحتى ممن جاؤوا من بعده، من مفكري وعلماء الحقب الحضارية الغربية، وهو الأقرب إلى التعريف العلمي الحديث، الذي إستفاد من غيره، لأن تعريفه ملامس لكل التعاريف والتصاريف الآنية في الوقت الحاضر .

لكن هذا التعريف حتما لم يتأتى من فراغ، لأن العالم حينما ينبري للحديث عن موضوع محدد، فإنه لا ينتج رواية خيالية، بل يعالج قضايا فكرية، تكون حية متفاعلة في محيطه الذي يعيش فيه، وبهذا المعيار يكون إبن سينا وبقية العلماء الأفاضل، قد عالجوا قضايا إجتماعية متحركة .

إذن هذا يعني أننا تراجعنا كثيرا، وتقهقرنا كثيرا، وأصبحنا منفصمين عن حلقات الماضي، فلو كنا نعقل ما كنا حتى هذه اللحظة نحتاج الى ضوابط ومضابط وتعاريف تسيّر أعمالنا، وبين يدينا ما يغنينا عن النظر الى غيرنا من الشعوب، ولما أخذ عنترة بن شداد هذا الوقت الثمين هدرا من أعمارنا .

هذا الموضوع ذكرني بكلية التربية الرياضية، والتي ظلت تخرج منذ إنشأها في العام 1969 معلمين في (الجمباز) لكنها لم تخرج لنا مدربا واحدا يشار له بالبنان، أين البحوث التي يتخرج بها الطلاب؟ بل أين برامجها التفاعلية مع المجتمع؟ لماذا لا تلامس تراب الواقع وتحلحل لنا هذه القضايا الشائكة؟ ولماذا هذا الإنفصام والخصام بينها وبين المجتمع ؟ وليتنا أفلحنا حتى في الجمباز ..

ولأهل كلية التربية الرياضية نقول .. لقد كتب إبن الجوزية في الرياضة حينما فشلتم أنتم في الكتابة فيها، وتفنن إبن سينا في ذلك، حينما أخفقتم حتى في إثبات كينونتكم وإشاعة بحوثكم التي غطاها الغبار على الأرفف السنين العتيقة، فقد نشروا على ندرة سبل النشر نفائس أفكارهم، حينما أخفيتم بحوثكم رغم إمتلاك جامعتكم لمطبعة ربما هي الأحدث .

والآن..علينا أن نتعرّف على سبل (تدبير الحركة والسكون) فلو طبقنا هذا التعريف وعملنا به ، فلربما تنحل عقد كأداء كثيرة ظلت تحبس عنا الإهتداء الى الطريق القويم ..

 لا أدري ما الذي يمكن أن يحدث لو أن عنترة قد عاد رئيسا للإتحاد ؟؟ ترى هل سنذهب جميعا للعب في كوبري (توتي) المعلق ؟؟ أم سنكون مشاهدين للكوبري من برج الفاتح ؟
……….
ملء السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهن شوامخ
……….

صلاح محمد عبدالدائم شكوكو
shococo@hotmail.com