جعفر عباس
من مدرسة رمبيك الى فندق كوبر
وخلال اقل من شهر كنا قد انتقلنا الى المبنى الموعود، وكان جميلا ورحبا وحسن التخطيط، وبعدها بنحو أسبوعين تم استدعائي الى مكتب مدير المدرسة، ودخلت عليه وألقيت نظرة على وجهه.. بحكم أنه قبطي من أصول مصرية فقد كان ذا بشرة فاتحة ولكن وجهه كان مُصفَرا في تلك اللحظة فحسبت أنه سيبلغني بوفاة شخص عزيز لدي.. فقد كان من الممارسات العجيبة والجميلة في السودان، أن من يتسلم برقية تخص شخصا آخر يعرفه، يقوم بفضها وقراءة محتوياتها، .. حتى سعاة البريد (وكان البريد وقتها يوزع على المكاتب والمساكن يدويا) كانوا يقرأون محتوى البرقيات قبل تسليمها الى الأشخاص المعنيين، وكان السر في ذلك ان معظم البرقيات كانت تتعلق بالوفيات، وبالتالي كانوا يحرصون على عدم فتح الشخص الذي يهمه أمر المتوفى المفترض، البرقية بنفسه، حتى لا يصاب بصدمة، ولا يبلغونه بالأمر إلا بعد تدبير طريقة الإبلاغ بواسطة شخص عاقل ورصين.
استبعدت احتمال إبلاغي بوفاة شخص عزيز لأن المكتب كان يضم خمسة أشخاص آخرين، من بينهم وكيل عريف في جهاز الأمن كنت أعرفه بحكم قرابته لزميل لي في جامعة الخرطوم، وتوجهت نحو المدير، ولكنه أشار بيد مرتجفة نحو الجالسين فألقيت التحية على وكيل العريف ولكنه لم ينظر إلي بل اشاح بوجهه وهو يهمهم بكلام غير مفهوم، شعرت بقرقرة في مصاريني، وتذكرت عادل إمام في مسرحية “شاهد ما شافش حاجة” عندما روى تجربته مع الأسد الذي اقترب منه في حديقة الحيوان: ده جاي لي أنا ده بأه (بقى).. أدركت ان الجماعة كلهم من جهاز الأمن وأنهم أتوا لترتيب استضافتي في فندق كوبر “أبو نص نجمة”، حيث يستضاف المجرمون والمعارضون السياسيون.. واستجمع وكيل العريف عبدالرحمن شجاعته ونهض وصافحني وقال: انت مطلوب لاستجواب بسيط في وزارة الداخلية، فطلبت منه عدم اللف والدوران: لو اعتقال صارحني كي لا أذهب الى السجن بلا ملابس او مستلزمات أخرى.. فقال: في الحقيقة في امر باعتقالك وستذهب فقط الى الوزارة لالتقاط صور وبصمات، ثم.. قلت له: الله يطمنك.. على كده هل ممكن أن تأخذني الى البيت في الخرطوم بحري كي اتزود ببعض الملابس.. فكان الرد: بكل سرور.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com