[JUSTIFY][SIZE=5]تناولت في مقالي السابق، المبادرة التي دفعت بها الجامعة العربية لإختراق موقف السودان الرافض لدخول المنظمات الأجنبية إلى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وقد قلت في المقال إن هذه المبادرة العربية هي مبادرة مشبوهة ربما قدمتها الجامعة العربية بدفع من الدول الإستعمارية عبر التنسيق مع عدد من موظفي الجامعة من بقايا أذناب نظام حسني مبارك الموالين للصهيونية العالمية وعملاء المخابرات الأمريكية والصهيونية ،من الذين مازالوا يتمركزون في الخلايا العصبية الرئيسية للجامعة العربية . وقبل أن يجف مداد مقالي ذلك حتى أصدر مجلس الأمن يوم الخميس 16/2/2012م بياناً يطالب فيه حكومة السودان ومتمردي الحركة الشعبية بوقف القتال والعودة لطاولة المفاوضات لحل أسباب الصراع بين الطرفين . وطالب البيان الطرفين بأهمية السماح لموظفي المساعدات الإنسانية التابعين للمنظمات الدولية بالدخول إلى المناطق المضطربة في جنوب كردفان والنيل الأزرق بصورة فورية . وأعرب البيان عن إنزعاج عميق ومتنام إزاء مستويات سوء التغذية والجوع المتزايدين في الولايتين . وتوقع البيان أن يصل الوضع الإنساني إلى حالة الأزمة الطارئة حال لم يتم التعامل معه بصورة فورية . وفى خطوات منسقة ومرتبة وفى ذات الإطار أصدرت الحكومتان البريطانية والامريكية أيضاً بيانين تحذران فيه من تردي الأوضاع الإنسانية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ، ومحذرتين فيه الحكومة السودانية من خطورة عدم السماح للمنظمات الاجنبية بالوصول الى المتضررين،ويبدو واضحا جدا ان كل هذه البيانات تأتى متناغمة تماماً مع مبادرة الجامعة العربية ،وفي إطار الضغوط والتهديد والتخويف الذي يمارسه ما يسمى بالمجتمع الدولي لإثناء السودان ودفعه للتراجع عن موقفه الرافض لدخول المنظمات إلى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ، حيث يبدو واضحاً جداً أن ما يسمى بالمجتمع الدولي يسعى لتكرار ذات السيناريو الخبيث الذي نفذ في ولاية دارفور عبر الضغط المكثف لإدخال المنظمات وإطلاق يدها حتى تنشط في إغراء وتشجيع المواطنين عبر توزيع الإغاثة لإجبارهم على ترك القري والمدن ،وفق خطة مكشوفة لخلق معسكرات نزوح دائمة ،ومن ثم تتحرك المنظمات لفبركة التقارير الكاذبة حول تردي الأوضاع الإنسانية، وتدهور أوضاع حقوق الإنسان ،والتي سوف تجد طريقها ميسراً إلى أجندة مجلس الأمن لإصدار عدد من القرارات التي تطالب بحماية المدنيين بقوات دولية تمهيداً لفصل تلك المناطق وفق خطة تفتيت السودان القديمة الجديدة . هذا إذا لم يتم إتهام السودان بالإبادة الجماعية مجدداً ليتحول ملفه إلى المحكمة الجنائية الدولية بقضية جديدة لإضافة مسئولين سودانيين جدد إلى لائحة الإتهام بالإبادة ،وذلك حتى تضرب الدول الإستعمارية بالتضامن مع المحكمة الجنائية الدولية عصفورين بحجر واحد ، حيث يكون الهدف الأول هو ممارسة مزيد من العزلة الدولية وخنق السودان سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً ،وفي ذات الوقت يكون الهدف الثاني هو تأكيد مواقف المحكمة الجنائية الدولية المعادية للسودان وإعطاؤها مصداقية جديدة في ظل (المدعية العامة الجديدة) للمحكمة حتى تظهر المحكمة بصورة متناغمة في ظل المدعية الجديدة للمحكمة مع مواقف المدعي العام السابق المدعو أوكامبو بعد أن كان السودان قد نجح في فضح مصداقية المحكمة وفضح ضعف مهنية مدعيها العام السابق اوكامبو ،وفضح تسييسه للعدالة الدولية .وكل ذلك حتى يتم محاصرة الحكومة تماماً ،وتركها مسلوبة الإرادة تنظر إلى أرتال المؤامرات وهي لا تستطيع فعل شئ ، ولذلك ينبغي على الحكومة ألا تقع أبداً تحت نيران الإبتزاز الذي يمارسه ما يسمى بالمجتمع الدولي سواء كان ذلك عبر مجلس الأمن أو عبر الجامعة العربية أو عبر الإتحاد الأفريقي. وعلى الحكومة أن تستفيد من أخطائها السابقة التي جعلتها تبتلع المؤامرات عوداً عوداً، حتى لم يبق من جسمها موضعاً إلا وفيه طعنة منظمة أو ضربة جاسوس ،لأن المرحلة القادمة لا تحتمل أية أخطاء أو تنازلات أو حتى مجرد لجلجة . كما ينبغي على الحكومة أن تغير كثيراً من سلوكها وتعاملها مع ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لا يشبع أبداً من التنازلات ،بل وحتى مع بعض أصدقائها (المشبوهين) من أمثال الصين الذين لم تجدهم الحكومة يوماً في ساعة العسرة ، لأن بيان مجلس الأمن الأخير الذي يضغط لإدخال المنظمات هو فرصة جيدة للسودان لإجراء إختبار حقيقي وإمتحان نهائي لمعرفة الموقف الحقيقي لعلاقاتنا الإقتصادية والسياسية مع الصين ،التي بدت مؤخراً أكرم من حاتم الطائى في مواقفها الداعمة لسوريا والتي جعلت الفيتو الصيني أكثر تبرجاً وسفوراً من المغنية الكولمبية (شاكيرا) ، ولذلك فإن تمسّك السودان بموقفه الرافض لدخول المنظمات غير أنه يعمل على إفشال تكتيكات المؤامرة الهادئة التي ظلت تمارس ضدنا، فإنه ايضا فرصة جيدة لتحديد مصير علاقتنا الغريبة والشاذة جداً مع صديقتنا (اللدود) جمهورية الصين الشعبية ،التى ظللنا نمارس معها الحب من طرف واحد . وعلى الحكومة أن تُعلم المجتمع الدولي بكل قوة أن مناطق الحكومة لا توجد فيها أية مجاعات أو أزمات إنسانية ،أما المناطق التي يسيطر عليها التمرد فإن الطريقة الوحيدة لدعمها هي عبر منظمات وطنية سودانية خالصة .ولذلك ، إذا كان المجتمع هو فعلاً حريصا على دعم تلك المناطق، فليأت بالمعونات ويسلمها إلى المنظمات الوطنية ويضغط على حركات التمرد للسماح لتمرير تلك المعونات . وهذا هو الموقف العقلاني الوحيد الذي يمكن السماح به لو كان للمجتمع الدولي عقل ولو كان للحكومة ثبات على قوة الإرادة ، وعلى الحكومة أن تصدر بياناً ترد فيه على بيان مجلس الأمن تؤكد فيه قبول أية مساعدات تقدم عبر منظمات وطنية .وتطالب الحكومة في ذات البيان مجلس الأمن (الرحيم جداً) بإلقاء نظرة من عينه العوراء للفقراء الحقيقيين الذين تضربهم المجاعة في الصومال، وفي بعض مناطق أفريقيا والذين يموتون يومياً بالمئات دون أن تتحرك شعيرات الرحمة الكاذبة لدى مجلس الأمن، لأن القضية بالنسبة لمجلس الامن ليست هى معونات أو إغاثة ،وإنما القضية هي خلق منصات للتجسس وإيصال الدعم الغذائي واللوجستي للمتمردين . وعلى الحكومة ان تعلم ان كل هذا الهياج الدولى الضاغط يرجع سببه الرئيسى الى بوادر (انحناء) الحكومة وقبولها بدخول اتيام المسح والتقييم الاممية الى جنوب كردفان. ولذلك ،يا عزيزتي الحكومة ضعي بيان مجلس الأمن تحت حذائك قبل ان يجرجر السودان الى السيناريو الخطير وفق ذات سياسة الخطوة خطوة التى نفذت فى دارفور.
[/SIZE][/JUSTIFY]
الراي العام – عبدالهادي عبد الباسط