تحقيقات وتقارير
هجليج.. طريق الحرب أم المفاوضات..؟
الروايات الإخبارية حول ما جرى في ولاية جنوب كردفان الحدودية يوم الاثنين الماضي، أكدت عبور قوات الجيش الشعبي الحدود من جنوب السودان للاشتباك مع القوات المسلحة داخل حدود جمهورية السودان، ما يدفع للتساؤل عن دوافع الجيش الجنوبي لعبور الحدود شمالاً ومهاجمة منطقة حيوية كهجليج، في توقيت بدا فيه أن الجميع يتجهون إلى التهدئة والحوار..هل هو النفط الوفير الذي يرقد في باطنها، أم هي قوة ومنعة تستشعرها جوبا في مواجهة الخرطوم..أم أن بعض دوائر الجيش الشعبي تنفذ مخططاً أجنبياً كما قال د.الحاج آدم نائب رئيس الجمهورية في تعليقه على ما جرى..؟
البعض يرى في معارك هجليج الأخيرة امتداداً للمعارك السابقة في بحيرة الأبيض وتلودي، وتعبيراً ساطعاً عن مراهنة الجبهة الثورية وحليفتها دولة جنوب السودان على خيار المواجهة العسكرية مع الإنقاذ، وبينما ترفع الجبهة الثورية في تلك المعارك لافتة المعارضة المسلحة التي ترغب في تغيير النظام، تمتلك دولة الجنوب بحسب هؤلاء أطماع في مناطق حدودية بعينها، ومناطق أخرى تقع في عمق الشمال كأبيي وهجليج المجاورة لها، ويلتقي الطرفان عند الهدف النهائي وهو تغيير نظام الحكم في الخرطوم، والسيطرة على مقاليد السلطة في السودان عقب الإطاحة بالإنقاذ، ويستند هذا الرأي من تحليل مفاده أن التمييز بين الجبهة الثورية وحكومة الحركة الشعبية في جوبا غير وارد، على اعتبار أنهما وجهان لعملة السودان الجديد وقوى الهامش.
ما حدث في هجليج يعتبره آخرون جزءاً من برنامج الجبهة الثورية الخاص أكثر من كونه جزءاً من خطط جوبا للسيطرة على مناطق في الشمال، ويستدل هؤلاء بمنطق مفاده أن قوات دولة جنوب السودان وحدها أو برفقة الجبهة الثورية غير قادرة على احتلال منطقة حيوية كهجليج لأمد طويل، بسبب عدم توازن القوة العسكرية مع القوات المسلحة التي يتفق الخبراء على أنها أكثر تنظيماً وأفضل تسليحاً وأكثر خبرة في الحرب التقليدية التي يتراءى فيها الجيشان، ما يعني أن معركة هجليج يوم الاثنين الماضي، لم تكن سوى محاولة ناجحة من الجبهة الثورية لعرقلة سفر البشير إلى جوبا، ونسف فرص التوافق والتقارب بين الدولتين، تقارب كفيل حال حدوثه بإضعاف موقف الجبهة الثورية، وبالتالي تقليص سقف طموحها السياسي في أي تسوية محتملة للنزاع، وينطلق هذا التفسير من تحليل مفاده أن الجبهة الثورية وحكومة جنوب السودان حليفين يجمع بينهما عداءهما المشترك للإنقاذ، بيد أن لكل منها أهدافه الخاصة التي قد تتطابق من أهداف حليفه في منعطف، وتفارقها في المنعطف التالي.
كل ما يحدث على الحدود، لا يرى فيه البعض سوى محاولات من جانب جوبا لتحريك الجبهة مع الشمال عسكرياً تمهيداً لجنى الثمار السياسية على موائد المفاوضات، ومحاولة فرض الأمر الواقع عبر التواجد في مناطق تقع داخل أراضي الشمال، بحيث تبدأ المفاوضات من انسحاب تلك القوات إلى داخل الحدود الجنوبية، ولا تبدأ من تحديد أين تقع تلك الحدود، أو كم من المال يجب أن تتقاضاه الخرطوم مقابل تصدير نفط الجنوب عبر أراضيها.
تتابع المعارك بين السودان وجنوب السودان في المناطق الحدودية، يرى فيه مراقبون مؤشراً على تصاعد الأزمات الداخلية في كلا البلدين، على اعتبار أن حكومة الجنوب تخنقها استحقاقات بناء الدولة الجديدة وشح التمويل بعد إيقاف ضخ النفط إلى جانب النزاعات القبلية والصراعات السياسية بين القيادات، ما يدفعها لرفع درجة حرارة المواجهة مع الشمال، في المقابل تعاني حكومة المؤتمر الوطني من أزمة اقتصادية وتصاعد لحدة الصراع والطموحات الاجتماعية والسياسية، ما يجعل من المواجهة مع الجنوب طريقة مناسبة لحشد التأييد والالتفاف الجماهيري وضمان البقاء في السلطة.
عدد غير قليل من الشماليين، والمحسوبين على المؤتمر الوطني والإنقاذ، يرون في الهجمات المتلاحقة للجيش الشعبي والجبهة الثورية نتيجة حتمية لسياسة (الانبطاح) الحكومي أمام الحركة الشعبية كما يسميها الطيب مصطفى زعيم منبر السلام العادل، ويقول هؤلاء إن اتباع الحكومة الشمالية نهج التفاوض وبحثها عن السلام والاستقرار عبر الصفقات السياسية وتقديم التنازلات أغرت بها باقان أموم وسلفاكير وياسر عرمان، وينادون بالعودة إلى التعبئة العسكرية لمواجهة الجبهة الثورية والجيش الشعبي.
الفريق عبد الرحمن حسن عمر الخبير الأمني ومحافظ أبيي السابق يرى أن الحركة الشعبية لديها أجندة خفية تعكسها كثير من التصرفات، والمطلوب الآن تغيير السياسات تجاه الحركة، ويتابع: وكان هناك تفاؤل بزيارة الوفد الأخير للحركة الشعبية برئاسة باقان أموم، لكن يوجد قدر كبير من عدم الوضوح في تعامل حكومة الحركة الشعبية في الجنوب مع المؤتمر الوطني، ولابد من مراجعة كثير من السياسات خاصة فيما يتعلق بالمسائل الأمنية وحسم النزاع في جنوب كردفان بصورة جادة، مثلما حدث في النيل الأزرق حينما استطاعت الحكومة أن تحسم النزاع بعمل عسكري جاد وإعلان الطوارئ في الولاية، وهذا الأمر يبدو مطلوباً في جنوب كردفان حالياً، خاصة أن بها بؤراً عديدة، فالحركة الشعبية نجحت في تأزيم الأوضاع في الولاية وشغل المركز، ونجحت في استقطاب حركات دارفور واستخدامها في الحرب، ما يعني أننا في حاجة إلى معالجة أمنية عسكرية عاجلة وكبيرة، وترك الحديث عن التنمية والحل السياسي.
تجربة الإنقاذ والحركة الشعبية القديمة خلال التسعينيات، أثبتت فشل أي منهما في فرض مشروعه على الآخر عبر استخدام القوة العسكرية، وبعد أن خاضا حرباً طويلة، عادا لتوقيع اتفاقية نيفاشا، ومن غير الواضح ما إذا كان الجانبان يريدان أن يكررا ذات السيناريو، ويخوضان حرباً دموية طويلة قبل الوصول إلى تسوية سياسية لاحقاً، أم أنهما وعيا الدرس جيداً، ويبحثان هذه الأيام عن حل سياسي ربما ينقشع عنه غبار المعارك في جنوب كردفان..! [/JUSTIFY]
الراي العام- مجاهد بشير