جعفر عباس

كنت على خطأ ولم أكن المخطئ

[ALIGN=CENTER]كنت على خطأ ولم أكن المخطئ [/ALIGN] لم أعرف أن عيد الأضحى هو «العيد الكبير» إلا بعد أن شارفت العشرين، ذلك إن عيد الفطر كان وما يزال تسبقه وتصاحبه تحضيرات وطقوس تفتح النفس، ولكونه يأتي في أعقاب شهر من الحرمان من الطعام والشراب نهارا، بينما كان عيد الأضحى ثقيلا على نفسي كطفل وصبي، لأن دوري فيه كان يقتصر – قبل يوم العيد- في تزويد الخروف بالعلف والماء، ثم يأتي يوم العيد وتوكل للصبية مهام مقرفة، وعلى رأسها تخليص كرش الخروف من محتوياته ثم غسله،.. وتتم تلك العملية بعيدا عن البيت، مما يتطلب تضافر جهود شخصين، أحدهما يصب الماء من الإبريق والثاني، يمرر أصابعه في ثنايا الكرش لشطف كل ما يلتصق به، وفي كل مرة توليت فيها تلك المهمة تعرضت للتقريع واللوم، لأن هناك جزءا ملحقا بالكرش لا أعرف له اسما.. يشبه الدفتر ولابد من تقليب «أوراقه» بعناية للتخلص من محتوياته، ويا ويلك لو «فطيت» صفحة او سطرا،.. وعندما كبرت وأصبحت رب أسرة، أخذت بثأري عن معاناتي في سنوات الصبا وصرت أقول للجزار الذي يذبح أضحيتي: الكرش وتوابعه .. بره مع الجلد والرأس (في منطقة الخليج يعايروننا بأننا نأكل اللحم النيء ويقصدون ما نسميه المرارة.. ولك أن تتخيل مقدار سعادتي الشامتة عندما قامت السلطات في دولة قطر بإغلاق مطعم لبناني فخم قبل أسبوع لأنه يبيع الكبة النيئة: لحم مفروم متبل بالبهارات يقدم للزبون وهو غير مطبوخ).
ولا اعتقد ان الجهل بكون أن عيد الأضحى هو العيد الكبير مرده فقط الانحياز لعيد الفطر لكونه عيد الحلوى والكعك غير المصحوب بروائح مخلفات الخراف. وبغزوات الذباب، بل لكون أننا نتاج نظام تعليمي قائم على التلقين الببغاوي، ففي المرحلة الابتدائية كانوا يحشون رؤوسنا بكلام لا نفهمه حتى في ما يتعلق بأمور ديننا، كان علينا مثلا أن نحفظ «صم» مبطلات الوضوء: ما يخرج من السبيلين.. الشك في الحدث!! كنا نعرف ان السبيل هو الزير أو مجموعة الأزيار التي يضعها فاعل خير في الطريق العام ليشرب منه المارة، ولم نكن نعرف «سبيلا» آخر، فما بالك بسبيلين يخرج منهما شيء يبطل الوضوء؟ وما هو «الحدث» الذي لو شككت فيه بطل وضوءك؟ لم يكن المعلمون يكلفون أنفسهم عناء شرح مثل تلك المفردات!! وتخيل حال نوبي مثلي كانت أبسط مفردات العامية العربية طلاسم في نظره، وقد كتبت أكثر من مرة عن أنني كنت أعتقد ان هناك شيئا اسمه «التكاسر» يدعونا المولى جل شأنه لأخذِه، فقد كان مدرس الدين الذي كلفنا بحفظ سورة «التكاثر» مصري التنشئة، وعندما يشرح لنا الدروس بالعامية يقول – مثلا- ربنا آل إن الإنسان كذا وكذا.. الناظر آل كل واحد منكم يجيب دفتر جديد، وهكذا وعندما لقننا تلك السورة «ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر…».. وقرأ «التكاثر» بالسين بدلا من الثاء، حسبناه يقول» آل هاكم التكاسر…» بمعنى أن هناك «أمرا» بأن نأخذ «التكاسر» الذي لم نكن نعرف كنهه.. وقس على ذلك: زكاة المال رُبع العشر، ويا ويلك لو قلت «1 على 40»، وزكاة الإبل: جدعة وبنت لبون، ومناخ البحر الأبيض حار جاف صيفا، دافئ ممطر شتاء.. ومن هناك قمت للجفيل / ذات الهشاب النضِر الجميل.
تذكر أنني أتكلم عن زمان، كان فيه المدرس يتعرض للفرك والدعك والاختبار والتقييم المنتظم حتى لا يتسلل الى المهنة ذوي العود الرخو الهش.. ولم نكن ندرس «21» مادة كما هو حال عيال «السورة التعليمية» الحالية، ومن ثم لا تعجب ولا تغضب إذا وجدت خريجي وخريجات الجامعات البروس لا يحسنون كتابة أسمائهم: هدي، ندي، شذي، تقوي، بشري.. أهلهم ومعلموهم ينادونهم/ن: هدى وندى وشذى وتقوى وبشرى،.. ما معنى هذا؟ معناه أن الأمية الهجائية متفشية في البيوت وفي صفوف المدرسين والمدرسات، وإلا كيف تفسر قضاء شخص ما «16» عاما على مقاعد الدراسة دون ان يعرف كيف يكتب اسمه/ها بالطريقة الصحيحة؟

الراي العام – زاوية حادة
jafabbas19@gmail.com