جعفر عباس
جعفر عباس وليس “نميري”
لسبب أو لآخر وجدت نفسي لحين من الزمان الوحيد المكلف بإعداد وتقديم برامج تعليم الإنجليزية عبر التلفزيون، وكانت كل حلقة تبث مرتين في الأسبوع، وكان ذلك مثار قلق والدتي التي كانت تقيم وقتها في كوستي، فقد باتت تعرف موعد بث برنامجي، لكنها لسبب يخصها، كانت تفترض أنني لابد أن أظهر يوميا على الشاشة، وكلما انتهى البث من دون ظهوري أمامها كانت تقلب الدنيا: أكيد جعفر عيان.. في شي حاصل لجعفر… ما من عادته أن يتلاعب في عمله.. ولم يكن من سبيل لإقناعها بأن جعفر ولدها ليس جعفر نميري حتى يظهر في التلفزيون “على كيفه وكي تطمئن أمه عليه”، واضطررت الى السفر الى كوستي لأبلغها بأن هناك جدولا زمنيا لبث كل برنامج، ولما عجزت عن إقناعها بذلك، وطالبتني بالظهور اليومي على الشاشة، قلت لها: قصري الحِجة يا حَجة، وتعالي معي الى الخرطوم، ورافقتني على مضض لأنه لم يهن عليها أن تترك إخوتي في كوستي، وظلت تقوم بجولات مكوكية بين المدينتين حتى طفشت (انا) من السودان نهائيا مهاجرا الى منطقة الخليج.
وفي تلك الظروف قررت إتمام مراسيم الزواج، وبسبب غياب زميليَّ في قسم برامج اللغة الإنجليزية، لم أجد مناصا من تسجيل نحو سبع حلقات من برنامجي، لأنعم بإجازة زواج بالأونطة لنحو 42 يوما، واستمرأت البطالة وعدت بعد الزواج وسجلت نحو خمس حلقات واختفيت مرة أخرى،… ثم عدت وسجلت حلقتين واختفيت نهائيا، لأنني حصلت على عمل في شركة أرامكو في الظهران بالسعودية براتب “خرافي”: 4821 ريالا، وكان الجنيه السوداني وقتها يعادل نحو عشرة ريالات سعودية.. يعني كان راتبي نحو 480 جنيها سودانيا في الشهر! يا ألطاف الله.. كان الراتب الرسمي للوزير في السودان وقتها نحو 250 جنيها.. والله لم يكن ذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ولا في ستينيات القرن الماضي بل في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات.. وقبل شهر أعطيت طفلا متسولا في الخرطوم جنيها واحدا من نافذة السيارة فألقى به في وجهي مستاءً.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com