جعفر عباس
نعم للاحتفاء بالطعام
أقول ملء فمي ان اكثر ما يعجبني في رمضان هو موائده الممتدة زمنيا حيث تبقى العائلة حول المائدة وقتا طويلا تتناول طيب الرزق، ففي رمضان وحده تكون موائدنا متوازنة المحتوى الغذائي فهناك الخضر والفواكه والخبز والأرز واللحم والبليلة التي تكون من الحبوب او البقول المسلوقة مضافا اليها الملح وبعض البهار، ويسمي اهل الخليج بليلة الحمص “النخي”، وهو اسم من فصيلة البلاليط وهي الكلمة التي يطلقونها على الشعيرية!! كيف يطلقون على شيء يدخل جوف الإنسان كلمة تنتهي بـ “خِي”؟ في السودان يسمون الحمص كبكبيه، وهو اسم اكثر قبحا من النخي، وأصل الكلمة نوبي يعني التهافت والتكالب على الشيء، وربما كان الحمص في تقدير أجدادي النوبيين القدماء، طعاما تهفو إليه النفوس! وتتكالب عليه الأيدي!! وتذكروا أن أجدادي أولئك كانوا يعتبرون النحاس أعلى شأنا من الذهب فيتخذونه زينة ويصنعون الأواني المنزلية من الذهب، وهذا ما جر علينا الويلات والغزوات.
وطالما أن الحديث عن النوبة والطعام فلابد ان أحدثكم عن مطعم كرفاس بمدينة سنكات في شرق السودان، وهي حكاية سبق لي أن كتبت عنها لأنني أعجبت بشخصية العم كرفاس وكان يملك مطعما في سواكن ويبيع الأكل بمزاجه، يعني لم يكن من حق زبائنه السؤال عما هو موجود او معروض لان كرفاس كان يحدد بنفسه ما يأكله كل زبون، فإذا كنت مبهدلا فليس لك سوى الفول والفاصوليا وما الى ذلك من مولدات الغازات ومبيدات لأوزون، أما إذا كنت ذا أناقة وقيافة وكشخة فلك الكبد واللحوم الطرية، وإذا خصك كرفاس بطعام طيب ثم اكتشف انك لا تملك قيمة ما أكلت فان المسألة لم تكن “تفرق” معه، فطالما أنت نظيف المظهر والملبس حلال عليك ما أكلته بدون مقابل، وبنفس القدر لم يكن يهمه ان يغضب زبون لانه فرض عليه لونا معينا من الطعام، ويأمره بالانصراف حتى من دون ان يدفع ما عليه!! وكانت غايته اكتساب زبائن يتسمون بـ “الرقي”، فكان من المألوف في ذلك المطعم أن يقول كرفاس لزبون متسخ الملابس: شطبنا.. وتعني في لغة المطاعم أن الطعام نفد.. مفيش.. بح، ولو رق قلبه لمثل ذلك الزبون كان يأتيه بعدس فقط، ويقال إن كرفاس ظل يعامل شابا معينا معاملة طعامية خاصة، ويقدم له أطايب الطعام، ولا يسأله إن لم يدفع قيمته، لأنه كان حسن الملبس الى ان رآه ذات يوم في الشارع مرتديا الزي العمالي فصاح: يا خسارة يا كبدة.. وخسارة يا لحم ويا كلاوي.. ومنذ يومها اصبح صاحبنا من فئة الفول والفاصوليا! وبالمناسبة فإن علماء الإدارة يقولون ان الموظف المهندم وحسن المظهر ينال ترقية أسرع من زميله الكفء المبهدل.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com