جعفر عباس

نعم للأطفال.. لا للآباء

[ALIGN=CENTER]نعم للأطفال.. لا للآباء [/ALIGN] مرة كل بضع سنوات يتم تنظيم حملة “نعم للأطفال”، في أركان الدنيا الخمسة (الأركان الأربعة المعروفة ولكن الولايات المتحدة تعتبر نفسها “ركنا” قائما بذاته)، ما عدا أفغانستان طبعا!! وما من أطفال على وجه الأرض يتعرضون لظلم ذوي القربى كعيالنا، انا لا أتحدث عن تزويدهم باللعب والدمى والبيرجر، بل أتحدث عن حرماننا لهم من العواطف والتوجيه، كيلا يتحولوا الى صائعين ضائعين، فكم منا يجالس عياله يوميا وعلى نحو منتظم يراجع معهم الدروس ويشاركهم اللهو البريء؟ فكثيرون – وخصوصا الآباء – يحسبون ان دورهم يقتصر على توفير النقود، وتكون كل علاقة الطفل بأبيه: بابا أريد مبلغ كذا وكذا لاشتري سي دي جديد، فيمد الأب يده الى جيبه ويخرج المبلغ المطلوب وفوقه بقشيش بنسبة 30%. يفعل الأب ذلك لانه لا يريد عواراً ووجع الرأس، وبمجرد استلام المبلغ يدرك الطفل ان دور أبيه قد انتهى، وكلما كبر طفل كهذا، كبرت أيضا المسافة التي تفصله عن أبيه، وخاصة ان هذا الصنف من الاباء يميل الى تحديد مرتب ثابت لعياله عندما يكبرون كي يرتاح من دوشتهم وطنينهم، وهكذا صارت لدينا اجيال من الفتيات والفتيان لا يرثون عن آبائهم سوى المال.. يعني ليس القيم والمثل والقدوة، وفي معظم الأحوال فإن العيال المحرومين من علاقات صحية مع الأب او الأم يكونون شديدي العقوق والتمرد لانهم يستقون قيمهم من نظرائهم عديمي الخبرة في الحياة مثلهم في الشارع والمدرسة، فالعلاقة بين الوالدين والعيال، شأنها شأن العلاقة مع بقية الأقارب والجيران تقوم على التوادد والتراحم والحنان والحب، وهي أشياء لا يمكن شراؤها بالمال، بمعنى أنك عندما تعطي عيالك نقودا كثيرة من دون ان يكون لك حضور ملموس في حياتهم ومن دون ان يجدوك قربهم في المرض أو في لحظات الاحتفال بالنجاح، فإنك تتحول الى مجرد أمين خزينة، بل لا يتخلف المال الذي تعطيه لهم كي تبعد نفسك عن حياتهم وأجوائهم عن “الرشوة”: خذوا هذه الفلوس و”ارحموني” من كلامكم ومشاكلكم وهمومكم!! لماذا يتصرف بعض الآباء على هذا النحو الغبي: سؤال سخيف لأن الاجابة عند مضمنة فيه: لأنهم أغبياء وأنانيون، وبالتالي يضعون “الشلة” فوق العائلة.. أو لأنهم من فرط غبائهم يعتقدون ان واجبهم يقتصر على توفير المال، وليس على توفير الحب والرعاية.
ويحكى ان شابا من النوع الذي فرح بالانفكاك والانعتاق من أجواء البيت بعد ان توجه الى امريكا للدراسة وامتنع عن زيارة اهله حتى في الإجازات، تلقى مكالمة هاتفية من أبيه، يبلغه فيها انه قرر تطليق أمه وطلب منه ان يبلغ القرار لأخته الذي تدرس في لندن، وما ان سمعت الفتاة بالخبر الصاعق حتى جن جنونها واتصلت هاتفيا بأبيها: بابا كيف هان عليك ان تطلق أمي بعد عشرة 28 سنة؟ أرجوك دع الأمور على ما هي عليه حتى نحضر انا وأخي الأسبوع المقبل لتسوية المشكلة بينك وبين أمي! فأبلغها الأب انه – وعلى مضض – سيجمد قرار الطلاق الى حين وصولهما رغم أن المسألة “محسومة”، ثم وضع الأب سماعة الهاتف والتفت الى زوجته: انبسطي يا ست.. سيكونان معنا خلال عيد الفطر ولكن ماذا نفعل كي نحملهما على زيارتنا مرة اخرى؟.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com