جعفر عباس

اعتذر للقراء… ونواصل


[ALIGN=CENTER]اعتذر للقراء… ونواصل [/ALIGN] توقفت عن الإرسال عدة أيام، لأسباب وجيهة، من بينها أنني كنت على سفر لأمرين مهمين، الأول يتعلق بالصيانة الطبية، والآخر بحضور حفل لنيل بنتي مروة الماجستير من جامعة أبردين في اسكتلندا، وليس من عادتي التوقف عن كتابة المقالات بحجة السفر، بل وقبل كل إجازة تنشط عندي غدد الكتابة، فأضخ عددا كبيرا من المقالات تغطي فترة السفر، ولكن هذه المرة وبسبب ضعف غدد الحساب والرياضيات عندي “حسبتها غلط”، واستنتجت بالتالي ان المقالات التي كتبتها تغطي فترة الإجازة الطارئة.
ولله الحمد كانت الصيانة الطبية ناجعة ومطمئنة، وكان حفل تخريج مروة “مهببا”، لأنه جاء في عصر يوم قطبي غطت فيه الثلوج الشوارع، وتعذرت فيه حركة البشر والسيارات، ونجحنا بطريقة أو بأخرى في الوصول الى مكان الحفل، واستغرق المشوار من سيارة التاكسي الى قاعة الاحتفال نحو ربع ساعة، رغم ان المسافة التي قطعناها لم تزد على مائتي متر، فبسبب الجليد كان لابد من حساب كل خطوة: تضع قدمك اليمني أمام اليسرى وتتوقف لتتأكد من أنك “ثابت” ولم تفقد توازنك، وكانت معي أم المعارك، ومن هواياتها التزحلق على الجليد، أي ان لها سوابق كثيرة في التزحلق غير المتعمد والسقوط والتعرض للكدمات والبلل،.. في عام 1996 كنا نتسوق في تالي هو كورنر في منطقة فينشلي في لندن، وكنت أتقدمها ببضع خطوات (كالعادة)، وبعد دقائق التفت الى الوراء فاكتشفت أنها اختفت، ولم يكن بالمكان خلق كثير فحسبتها قد تسللت الى متجر، فلعنت خاشها في سري، وعدت أبحث عنها وأنظر داخل المتاجر عبر الواجهات الزجاجية،.. ثم انتبهت الى خلق تجمعوا في نقطة معينة، فتوجهت نحوهم فإذا بالأيدي تمتد لتجر المدام وهي تصيح: أييي آآآي.. وهيلا هوب.. أوقفناها على قدميها وهي تترنح وعرضت عليها صاحبة متجر قريب ان تدخل المتجر لتجلس قليلا وتتدفأ، ثم ذهبت الى خلف المتجر وعادت بكوب فيه مشروب أحمر وقالت لي: ذِس وِل ميك هار فيل قود.. قلت لها في سري: الله يقِد راسك.. ثم شرحت لها أن زوجتي مسلمة ولا تتعاطى النبيذ.. تَلَت وسبقت تلك الحادثة “وقعات” كثيرة في الجليد، ومن ثم صرت كلما اضطرتني الظروف إلى اصطحاب زوجتي الى بلد أوربي أحرص على ان يكون ذلك في الشتاء لأن الخوف من السقوط في الجليد يشللا حركتها فلا تفكر في التسوق.
جامعة أبردين التي نالت منها مروة الماجستير عمرها 514 سنة، وجرت مراسم حفل التخريج وأنا جالس مجرد تنبل لا أفهم شيئا مما يدور لأن كل الكلام كان باللغة اللاتينية.. ومن فرط الغيظ قلت لزوجتي: إيه رأيك تطلقي زغرودة قوة 400 ديسيبل، عندما ينطقون باسم مروة (ما لم يكونوا قد اختاروا لها اسما لاتينيا من نوع: مروارتم جافريستا أباستم)، ولكنها كانت أعقل مني وقالت إن ذلك قد يعتبر هتافا إرهابيا، وقد تفسره الشرطة على أنه نداء جهادي مشفّر.
كانت حفلات التخريج على أيامنا في جامعة الخرطوم في منتهى الأبهة والتنظيم، وكنا نتسلم الشهادات من رأس الدولة، وعندما فرغ أبناء وبنات دفعتي من تسلم الشهادات من (الرئيس) جعفر نميري، انطلقت الحناجر بالهتاف: الى الجحيم يا نميري.. فتردد مجموعة أخرى نميري أمل الأمة.. واختلط الحابل بالنابل ولحسن الحظ لم يكن ممكنا ان تضربنا الشرطة لأن المكان كان يعج بمئات الأمهات والآباء.. وتم تهريب نميري عبر طريق خلفي.. واكتشفت فجأة أن شهادتي ضاعت في الزحمة.. نعم، وإلى يومنا هذا لم ار تلك الشهادة الأنيقة وظللت مسلحا بشهادة مطبوعة على الآلة الكاتبة.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com