جعفر عباس
البكاء رغم الثراء
في مطار مدينة الظهران حيث المقر الرئيسي للشركة العملاقة، استقبلني موظف من إدارة العلاقات العامة ليوصلني الى مسكني المؤقت، ثم أعطاني مظروفا بداخله 3000 ريال، أول ما خطر ببالي هو أن أعود فورا الى السودان لاستمتع بتلك الثروة التي نزلت علي من السماء، ولكنني تذكرت ان الرحلات من مطار الظهران الى السودان مرة واحدة في الأسبوع، وما أن أوصلني الرجل إلى غرفة أنيقة في معسكر صغير حتى أجهشت بالبكاء مرة أخرى: تذكرت السودان والأهل والأحباب: بيني وبينك تستطيل حواجز، جزرٌ/ وينهض ألف باب.. مازال سقف أبي يظل/ ولم تزل أحضان أمي رحبة المثوى مطيبة الجناب، ثم أنظر الى الآلاف الثلاثة وأزداد حزنا: آآآخ لو استطيع ارسالها برقا أو جوا الى زوجتي كي تحس بالطفرة الطبقية.. لعلها تنسيها آلام الفراق.. كان حالي يومها كحالي يوم ذهبت الى المدرسة المتوسطة وعمري 11 سنة لأدرس وأقيم فيها بعيدا عن أهلي فظللت أبكي طوال أشهر.
وخرجت من الغرفة لأتعرف على المنطقة المحيطة بمكان السكن ووجدت قاعة طعام مفتوحة وهناك رأيت زولين.. هناك شعوب كثيرة سمراء وسوداء ولكنني أتمتع بحاسة عجيبة في التعرف على السودانيين.. ذات مرة كنت في مبنى وزارة الخارجية الإماراتية لتوثيق شهادات، واقتربت من احد الواقفين في الطابور وقلت له: ممكن قلم يا زول.. ابتسم صاحبنا وسألني: ولماذا افترضت أنني “زول”؟ كان سؤاله وجيها فقد كان ذا بشرة فاتحة جدا، كان من الممكن ان يكون مصريا او شاميا، ولكنني أحسست بأنه سوداني! كيف؟ لا أعرف!! وقد اتضح ان الرجل فعلا سوداني ولكنه كان قبطيا أي من أصل مصري.. ربما هي جينات حب كل من وما هو سوداني تلك التي تجعلني أتعرف على السوداني وسط جيش من السمر والسود من مختلف البلدان.
المهم تعرفت على الزولين في قاعة الطعام وسألتهما عن طريقة تحويل النقود الى السودان، ولحسن حظي كان هناك موظف سوداني في أرامكو مسافر الى الوطن في اليوم التالي، وسلمته ألفي ريال ليوصلها الى زوجتي وكان ذلك المبلغ يساوي وقتها نحو مائتي جنيه سوداني أي ان الجنيه كان يساوي عشرة ريالات سعودية.. بينما الريال اليوم يساوي اكثر من 800 جنيه.. إنه عزيز قوم ذل.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com