جعفر عباس

جعفر عباس وترباس والإجلاس

[ALIGN=CENTER]جعفر عباس وترباس والإجلاس [/ALIGN] في عام 2009 أنفق الأمريكان 245 مليار دولار على حيواناتهم المنزلية، وليس بين تلك الحيوانات غنم توفر لبن شاي الصباح، ولا خروف لزوم الضيوف أو العيد، بل معظمها قطط وكلاب وسناجب،.. والمبلغ أعلاه يشمل كلفة إطعام تلك الحيوانات، ورعايتها صحيا، وملابسها الخاصة بالبرد و»الفسحة»، وتكاليف الحلاقة والكوافير.. ولو أردت ان تعرف كم ينفق الأمريكان على طعامهم كبشر فإن «حسَّابة» الموبايل ستخذلك.. هذه هي أمريكا التي دنا عذابها، وتذكّر أن تعداد السكان في أمريكا نحو 300 مليون نسمة وأن ثلثي سكانها فقط يقتنون حيوانات منزلية وبهذا ستعرف كم متوسط إنفاق البيت الواحد على الحيوانات، (ولولا أنني أعاني من إعاقة حسابية لقمت بتلك المهمة)، ومتوسط نصيب الفرد السوداني من الدخل القومي 1900 دولار سنويا،.. دولار دفتري كما يقول جماعة الحسابات، لأن هناك ملايين المواطنين السودانيين الذين لا يبلغ دخلهم السنوي مائة دولار، وكما هو معلوم فإن حساب متوسط دخل الفرد في أي بلد لا يأخذ في الحسبان أنه لا يستوي جعفر عباس وكمال ترباس (الذي وضع تسعيرة لكل أغنية).
ترتيب السودان في قائمة الدخل القومي هو 178 عالميا، ولك – كمواطن سوداني – أن تقرر ما إذا كنت أنت أم أمريكا الذي «مش» دنا عذابه، بل حصل العذاب ووقع المصاب من زمان، وتحضرني هنا الطرفة التي رواها السيد الرئيس البشير خلال حوار في برنامج مراجعات في قناة النيل الأزرق عن شخص يعادي حكومته وسمع خطيب المسجد يقول: اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا!! فقاطعه: هو سلط وخلص.. اسأله أن يرفعه عنا.
ما جعلني أورط نفسي في كلام يتعلق بلغة الأرقام التي لا أجيدها، ما قرأته في خلاصة مداولات منتدى عن حال التعليم عندنا، وأن 2% فقط من الميزانية العامة للبلاد مخصصة للتعليم، وكان أول ما خطر في بالي عند قراءة ذلك الرقم هو: وما لزوم كل هذا التبذير؟ خصوصا وأن أولياء الأمور يتحملون في معظم الولايات نحو 90% من كلفة التعليم «الحكومي»؟ والتعليم مثل الخدمات الطبية «مخصخص» ولكن «كتامي»، وبكل صدق أقول ان تخصيص 2% من ميزانية الدولة سنويا للتعليم فيه هدر للمال العام لأن التعليم الذي يحظى به عيالنا خسارة فيه قرشين سنويا!! كيف يكون تعليما يستحق أي قدر من الإنفاق والتربويون المعتقون يقولون ان نحو 40% من المعلمين «معلمين الله» معرفيا ويعانون من أمية في المواد التي يدرسونها بينما تبلغ نسبة ذلك النوع من الأمية أكثر من 65% بين مدرسي اللغة الإنجليزية.. أتذكر مدير شركة اتصالات قطر (كيوتل) الذي سألني وأنا رئيس قسم الترجمة بالشركة عن المترجمين الجدد فقلت لهم إن جميع من اختبرتهم رسبوا بجدارة، ثم عرف مني انني استبعدت الطلبات التي تقدم بها سودانيون لأنه كان معي سلفا ثلاثة مترجمين سودانيين، (درءا لشبهة محاباة أهل بلدي)، فما كان من المدير إلا أن قال لي: شوف.. ما أبي (أريد) في الشركة مترجم أو قانوني غير سوداني.
وربما يذكر بعضكم برنامجي لخوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، (انسحبت منها لأنني لم أكن مستعدا لقبول اتفاقية نيفاشا للدمار الشامل)، وسأفكر في خوض الانتخابات في السودان أبو 700 ميل مربع، وأذكر جيل عيال المدارس أن أهم بند في برنامجي الانتخابي هو تعطيل الدراسة لمدة عامين متتاليين حتى ينسوا كل الحشو واللغو الذي سبب لهم بواسير الدماغ، وخلال ذينك العامين سأخضع جميع المعلمين لامتحانات تحريرية وشفهية للتخلص من ال40% الأميين، ثم أصوغ مناهج لا تقوم على التلقين الببغاوي، ولا أعيد فتح المدارس إلا بعد أن يتوفر في كل منها مقعد لكل طالب حتى لا أسمع تلك الكلمة السخيفة «الإجلاس» التي تتكرر على ألسنة القائمين على التعليم كلما أرادوا التباهي بإنجازاتهم.. إجلاس؟ هل كان التعليم على أيامنا نحن جيل لوح الأردواز يقوم على «الإيقاف»؟ متوسط «دخل» الكلب في أمريكا أكبر من المخصصات السنوية لمدرسة ثانوية عندنا.. بس هانت.. كلها خمسين سنة ونحل قضية أبيي ودارفور وجنوب النيل البمبي و»يكش» السودان أكثر وتصبح مساحته في حدود 200 ألف متر مربع، ويصبح عندها ممكنا توفير البندول والكتب لكل مستحق.

الراي العام – زاوية حادة
jafabbas19@gmail.com