جعفر عباس

أرامكو هدّت حيلي

[ALIGN=CENTER]أرامكو هدّت حيلي [/ALIGN] كان هناك قسمان للترجمة في أرامكو، أحدهما يتخصص في المراسلات العامة والثاني في الشؤون المالية، وكان القسم الأخير من نصيبي، وكانت تجربة صعبة، فحصيلتي من المصطلحات المالية كانت ضعيفة، وزاد الأمر سوءا أن المستندات المالية التي كنا نترجمها كانت تتعلق في معظمها بتجهيزات فنية وميكانيكية، ولكن من سبقونا الى العمل في الترجمة في الشركة كانوا قد أعدوا قواميس متخصصة لكل شأن من شؤون الشركة، فكانت إلى جانب القواميس المتجهمة أكداس من الدلائل (جمع دليل manual) تجد فيها كل شاردة وواردة، وكنا نكتب ما نترجمه بأقلام الرصاص ليسهل علينا محو الأخطاء عند المراجعة والتصويب، ثم يأتي “فرّاش” ويحمل ما نكتبه الى مكتب ضخم به نحو 40 شخصا يعملون على الآلات الكاتبة (التايبرايتر)، وبعد العمل بالترجمة لثلاثة أيام حسبت أنني مصاب بالتهاب الروماتويد، لأن أصابعي “تكنكشت وتشنكحت وتشربكت” وصار حتى تنظيف النظارة يسبب لي آلاما لا تطاق، والسبب في ذلك ان أرامكو ما عندها يمة ارحميني.. نعم تدللك.. تعطيك راتبا ضخما وسكنا فاخرا وتعالجك في مستشفياتها التي لا تجد لها نظيرا حتى في الدول الغربية، وتوفر لك الطعام الراقي في قاعات نظيفة بأسعار رمزية، وبها كوميساري (متجر ضخم) به أي سلعة تخطر في بالك، ويستطيع موظف أرامكو السفر برا وجوا داخل السعودية على نفقة الشركة، ولكن ومقابل كل ذلك عليك ان تبقى منتجا طوال ساعات العمل، وهكذا ما كنت أفرغ من ترجمة نص، حتى يأتيني رئيس القسم بنص آخر، وبكل بجاحة يأمرني أن “أخلصه بسرعة” لأن الشغل متراكم، وبضمير مستريح أقول إن كل ريال قبضته من أرامكو كان حلالا وعن جدارة واستحقاق، وعندما دخل علي أول رمضان وأنا في أرامكو، أبلغوني بأن العمل الرسمي ينتهي في الواحدة ظهرا، وأنني سأتقاضى أجرا إضافيا مضاعفا لو عملت حتى الرابعة (وكان الدوام في الشركة على فترتين تنتهيان في الرابعة عصرا تتخللهما استراحة ساعة واحدة للغداء).. فقلت لهم: والله لو وضعتم نصف إيرادات الشركة في شمالي وجعلتم سعاد حسني ملك يميني ما اشتغلت دقيقة إضافية بعد الواحدة ظهرا في رمضان.. وببركة الشهر الفضيل الذي تفاديت فيه العمل الثقيل شفيت من الروماتويد واستطعت استخدام أصابعي في الأكل بدون ألم.
بعد كل شهرين ونصف الشهر تمنح أرامكو موظفيها عطلة نهاية أسبوع ثلاثة أيام تبدأ بالخميس وتنتهي بالسبت، وطوال فترة عملي في أرامكو كنت أزور السودان كل 75 يوما،.. أقضي 3 أيام مع الأهل وأعود، ويا ما زوّرت أمراضا فتاكة حرمتني من العودة الى العمل في المواعيد المقررة لأبقى فترات أطول مع الأهل.. فبعد التحاقي بالعمل في أرامكو ورغم ان درجتي الوظيفية كانت عالية جدا، لم يسمحوا لي باستقدام زوجتي لتعيش معي، بل أبلغوني أنني استطيع استقدامها مرتين في السنة لتبقى معي 3 أشهر في كل مرة.. كان الأمريكان الملاعين مسيطرين على مفاصل الشركة وقتها ولم تكن قد آلت ملكيتها بالكامل إلى السعودية، وكان من حق الأمريكي ان يأتي “بالقيرل فريند” (الصديقة) لتقيم معه كما تشاء..بل كان هناك قسم رواتب خاص بالأمريكان وآخر ببقية خلق الله، وياما عانى سعوديون من غطرسة الأمريكان (والحمد لله صار كل ذلك في خبر كان).. وانتظرت الى ان وضعت زوجتي طفلنا الأول وطبعا حضرت ولادته في الخرطوم، خلال عطلة نهاية اسبوع طويلة (امتدت عشرة أيام لعلة طارئة أصابتني حسب الشهادة الطبية الموثقة).. واستقدمتها وأمضت معي فترة الأشهر الثلاثة المسموح بها للزوجة، وبنهاية تلك الفترة سرت بها وطفلنا وحقائبنا إلى المطار وخرجنا من أرامكو ولم نعد حتى الآن.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com