جعفر عباس

دور الأقدار والصُدف

[ALIGN=CENTER]دور الأقدار والصُدف [/ALIGN] وصلتني من القارئ علي الطحاني رسالة يتساءل فيها: هل أنت منتبه إلى ان مقالاتك الأخيرة فيها تكرار قد ينفِّر القارئ؟ عندنا حكمة شعبية جميلة في السودان تقول: اسمع كلام اللي يبكيك، مش كلام اللي بيضحكك، وتعني ان النقد على مرارته أفضل من عبارات البكش والتملق، التي قد تشرح الصدر، ولكنها تفتقر الى الصدق، واهتممت برسالة الطحاني لأنه من قرائي دائمي التواصل معي، ولكون تلك الرسالة -بالتالي – صادرة عن قلب “محب”.. وثالثا لأن تساؤله كان في محله: نعم فهذه السلسلة من المقالات التي تواصلت خلال الأشهر الأربعة ونيف، لا تخلو من تكرار ولكنه “متعمد”، وما فاتني هو تذكير القارئ بأن هذه المقالات سلسلة مترابطة، بدأت حلقاتها الأولى بعنوان “سيرة وطن في مسيرة زول”،.. يعني السيرة والمسيرة مستمرة، وقد استكملت الجزء الأول منها بسرد الجانب المتعلق بسيرة السودان من خلال مسيرتي، حتى اضطررت الى الهجرة الى الخليج طلبا للرزق، واعتزم إصدار تلك السلسلة في كتاب قريبا بعد إضافة بعض التعديلات والتنقيحات عليه، وقد كتبت حتى الآن نحو سبع مقالات من الجزء الثاني من تلك السيرة المهببة، ولكنها لا تتعلق بشكل مباشر بوطني “السودان” ولكن بالثلاثين ونيف سنة التي قضيتها في منطقة الخليج، والتي اعتزم بعون الله إصدارها في كتاب منفصل
و”أكرر” هنا أنني لم أخطط للهجرة من السودان إلى أي بلد، بل إن المقادير فاجأتني بنقلات وتحولات لم تكن في حسباني، فكما سبق أن أوردت هنا قبل أيام قليلة فقد كنت أحمل استمارات التقديم لوظيفة مترجم لدى الأمم المتحدة، ودخلت بها مكتب صديق لملئها، فحدثني عن فتح شركة أرامكو لمكتب توظيف في الخرطوم وقادني الى ذلك المكتب وجلست لاختبارات ترجمة وبعدها بأسبوع قالوا لي “تعال الظهران”.. وتركت الظهران وأرامكو وعدت الى السودان “نهائيا”، ثم قابلت صديقا يعمل في قطر أتاني بتأشيرة زيارة وشجعني على تجريب حظي في قطر، وقبلوني هناك مترجما في اليونسكو، وختمت تأشيرة العمل في قطر في جواز سفري ثم تصرمحت طويلا في السودان وعدت الى الدوحة لأكتشف أن الوظيفة أسندت إلى شخص آخر،.. وكان سوق الترجمة رائجا فعملت في مجلتي الدوحة وجريدة الراية القطريتين وصار من حقي أن أزعم أنني “صحفي بالتجنس”، وفي ذات عيد مبارك سافرت مع زوجتي الى دبي لزيارة أخت لها تقيم هناك، وخلال تقليبي لصحيفة الاتحاد الإماراتية وجدت اسم زميل الدراسة في جامعة الخرطوم طه النعمان في ذات مقال، واتصلت بالجريدة وشاءت الأقدار ان يكون طه موجودا في تلك اللحظة، وكما هو متوقع فقد ألح علي كي آتي إلى أبوظبي لزيارته وزوجته التي كانت أيضا زميلتنا في نفس الجامعة.. ووصلت ابوظبي عصرا وقادني طه الى مكاتب الجريدة لأنه كان ملزما بتسليم مادة ما، ثم طاف بي في المبنى يعرفني بالسودانيين العاملين في الصحيفة، وفي القسم الخاص بجريدة إمارات نيوز الإنجليزية، قدمني الى مدير التحرير الصديق محمد عمر الخضر الذي ما ان عرف أنني مترجم حتى صاح: إيه رأيك تشتغل عندنا؟ مفيش مانع بس تدفع كم؟ نتفاهم على الراتب بس أولا نختبرك!! قلت: هات ما عندك! وجمع قصاصات من وكالات الأنباء ووضعها أمامي فترجمتها وأعدتها إليه فعرضها على سريني فاسان وهو هندي عبقري كان موسوعي المعرفة، وخلال دقائق كان الأخير قد صاح: إكسلنت، وخرج محمد عمر حاملا تلك الأوراق وعاد بعد دقائق قائلا: خلاص المدير العام وافق على تعيينك عندنا.. متى تبدأ العمل؟ قلت: لازم ارجع الدوحة لتصفية بيتي وبقية أموري.. يعني بعد ثلاث ساعات من وصولي الى أبوظبي كنت قد حصلت على وظيفة بشروط مجزية.. وفي أبوظبي اتخذت قراراً بالاغتراب “نهائيا”.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com