جعفر عباس

مصائب قوم عند شخص فوائد

[ALIGN=CENTER]مصائب قوم عند شخص فوائد [/ALIGN] وصلت إلى أبوظبي ذات عصر، ونمت طويلا في الفندق الذي استضافوني فيه، وفي صبيحة اليوم التالي، كان لابد من التوجه الى مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر، لينالوا شرف التعرلاف إلي، وأخذ علم بوصولي، كي أبدأ عملي في جريدة إمارات نيوز الإنجليزية التي كانت تصدرها المؤسسة الى جانب شقيقتها العربية “الاتحاد”، ومجلتي “زهرة الخليج” النسائية و”ماجد” للأطفال، وأوقفت سيارة تاكسي وطلبت منه توصيلي الى المؤسسة، وما أن سمع باسم المؤسسة الصحفية حتى بدأ الكلام يتدفق من فمه بمفردات بعضها عربي وبعضها غريب تماما على أذني، وانتبهت الى أنه ردد كلمة “جنجال” كثيرا، ولابد أنه استنتج انني صحفي جاهل لأنني لم أعقب على ما قاله وأنزلني أمام المؤسسة وقبض أجرته وهو ينظر إلي بازدراء.
ودخلت مبنى المؤسسة ولاحظت أن عشرات العاملين فيها يتحركون بهمة ونشاط مسلحين بقصاصات من برقيات الوكالات.. حاولت “التفاهم” مع أحدهم وألقيت عليه التحية: السلام عليكم، فكان رده: بعدين.. بعدين.. مش وقته.. سرت الرعدة في أوصالي: ما هؤلاء الذين يؤجلون “السلام” الى “بعدين”؟ هل يدل شكلي على أنني إسرائيلي ليقول لي إن “السلام.. مش وقته”؟.. دخلت قاعة ضخمة فيها عشرات الصحفيين، وكانوا جميعا في حال ذهول وانشغال، ويتصايحون فيما بينهم: ما هذا؟ هل أنزلني سائق التاكسي في مؤسسة للمصابين بأمراض عقلية؟… اقتربت من مجموعة كانت تجلس حول طاولة وألقيت عليهم التحية، فرد واحد منهم فقط بـ “أهلا”، من دون أن ينظر إلي.. قررت أن “ألِم لساني”.. لا سلام على قوم لئام، وطفت في أرجاء المؤسسة بحثا عن اللافتة الخاصة بجريدة إمارات نيوز التي سأعمل بها، وبعد دقائق وجدت القسم الخاص بها، ولكن جميع العاملين الموجودين فيها كانوا أيضا يعانون من لوثة عقلية وبائية، ولمحت لحسن حظي شخصا أسمر أدركت أنه سوداني وذهبت إليه وصافحته، وأبلغته بأنني “الزميل الجديد”، فعانقني وقال: اخترت تاريخا غير موفق لبدء العمل هنا،… ثم شرح لي سر الفيروس الذي تسبب في الجنون العام في المؤسسة: الطائرات العراقية قصفت العديد من المدن الإيرانية مساء أمس، وتحركت القوات البرية للطرفين اليوم.. والحرب (الجنجال) اشتعلت بين إيران الخميني وبين عراق صدام حسين.
هل اقتنعتم الآن بأنني صحفي مبروك،.. عملت في جريدة الراية في قطر وبدأت الحرب في أفغانستان بين السوفييت والمجاهدين، ووصلت الى ابوظبي لأعمل في مؤسسة الاتحاد، وبدأت في يومي الأول فيها حرب بين العراق وإيران، ظلت مشتعلة إلى أن غادرت أبوظبي بعد 8 سنوات، لم نواجه خلالها أي مشكلة في اختيار المانشيت،.. الطائرات العراقية تقصف مصافي عبادان.. القوات البرية الإيرانية تدمر كتيبة عراقية.. سقوط خورامشهر.. تحرير خورامشهر.. هلك أكثر من مليون عراقي وإيراني في حرب انتهت بالتعادل السلبي، والصحفيون يفبركون المانشيتات.. وأبليت في تلك الحرب بلاء حسنا، فرغم أنني كنت أعمل في الجريدة الإنجليزية إلا أنني كنت أساهم كثيرا في إعداد المواد الخاصة بـ “الاتحاد” العربية، فقرر المدير العام منحي ترقية وتم تحويل المستندات اللازمة الى الشؤون الإدارية، ولكن ظرفا طارئا استوجب سفري الى مصر لعرض زوجتي على الأطباء، وطلب مني المدير تأجيل السفر، فخرجت غاضبا وسافرت، فتم تجميد الترقية.. وبعدها بنحو شهرين أو ثلاثة غزت إسرائيل لبنان، مدمرة الأخضر والأصفر، واقترحت على إدارة الصحيفة شن حملة عالمية لتجريد رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن من جائزة نوبل للسلام، التي كان قد نالها مناصفة مع الرئيس المصري أنور السادات بسبب اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فأوكلت إلي المهمة، ونجحت في حشد تأييد ضخم من الشخصيات المرموقة والنقابات والروابط المهنية الأوروبية والعربية والافريقية للفكرة، وحدثت ضغوط كثيرة على لجنة نوبل ولكن لم يكن بالطبع واردا أن تسحب منه الجائزة، ولكن فيما يخصني فزت بجائزة، فقد تقرر ترقيتي بالقفز درجتين إلى أعلى.. هلك مئات الآلاف من العراقيين والإيرانيين ثم اللبنانيين، والصحافة تحب “الجنازات لتشبع فيها لطما” وينال العاملون فيها الترقيات.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com