جعفر عباس
فارقت أبوظبي فكافأتني بسخاء
ذات يوم طالعت في صحيفة الاتحاد التي أعمل بها إعلانا عن حاجة مؤسسة الاتصالات القطرية لمترجم، فأرسلت أوراقي إليها.. كان من عادتي حتى قبل سنوات قليلة أن أقدم طلبي لدى أي جهة تعلن عن وظيفة تطابق متطلباتها مؤهلاتي وخبرتي، وكنت أفعل ذلك حتى وأنا غير راغب في ترك وظيفتي (الحالية وقتها).. ويا ما جلست لامتحانات وسافرت لإجراء معاينات ويا ما تلقيت عروضا بعضها مغرٍ وبعضها مقرف.. مثلا طلبت شركة بترول أبوظبي مدرسين في معاهد التدريب التابعة لها، واجتزت الامتحان كمدرس لغة إنجليزية، وفي المعاينة أبلغوني بأنني مستوف لكل شروط الوظيفة وعرضوا علي مرتبا يعادل ضعف ما كنت أتقاضاه كصحفي مع سكن مجاني مؤثث،.. ثم قالوا عرَضَا إنني سأدرس مواد أخرى من بينها الرياضيات إلى جانب الإنجليزية، فقلت لهم: يفتح الله والوظيفة ما تلزمنيش؟ سألني الخواجة: واي؟ قلت له لأن الرياضيات تجعلني أصيح “واي.. وييييي”.. قال لي إنها رياضيات على خفيف، فقلت له إنه لا يوجد هناك شيء اسمه رياضيات خفيفة فهي مادة ثقيلة على العقل والبطن.. قالوا إنها تقتصر على الجمع والطرح والضرب البسيط!! قلت لهم: ها أنتم قلتموها.. “الضرب” وهو ابن عم القسمة التي هي أصعب فروع الرياضيات،.. المهم تمسكت بموقفي ورفضت الوظيفة.
وجلست لاختبار اختيار مترجم لمؤسسة الاتصالات القطرية ضمن نحو عشرين شخصا، وبحكم خبرة سنتين في ترجمة وثائق مؤسسة الاتصالات الإماراتية كان الاختبار بالنسبة لي مجرد تسلية، وفرغت منه قبل انقضاء نصف الوقت المخصص له، وغادرت القاعة فاستوقفني مندوب المؤسسة خالد البوعينين: هل الاختبار صعب لهذه الدرجة؟ لقد اطلعت على سيرتك الذاتية التي تفيد بأنك مترجم متمرس ورأيك يهمني، طمأنته بأنني لم أجد صعوبة في الاختبار فطلب مني الانتظار قليلا وصار يقلب في أوراق الاختبار الخاصة بي ثم قال: بصراحة يا أستاذ ما أظن واحداً من الجماعة هؤلاء سينافسك على الوظيفة، ولكن الكلمة النهائية ستأتيك من ذوي الاختصاص في قطر، بس جهز حالك للسفر الى الدوحة لأني شبه متأكد من أن الوظيفة لك.. وبعد اسبوع بالضبط اتصل بي خالد (طبعا صرنا لاحقا زملاء مكاتبنا متجاورة) وقدم لي تفاصيل العرض ومزاياه فقلت له: يفتح الله ما يلزمنيش.. عاد بعد يومين بعرض أفضل قليلا فقلت له: أفكر… كنت مترددا لأني بطبعي ألوف لو رددت الى الصبا لفارقت شيبي موجع القلب باكيا، ولا أحب مغادرة الأمكنة التي ألفتها، ولكنني حسبتها كالتالي: عندك 8 سنوات خدمة في جريدة الاتحاد وبالتالي مكافأة تعادل رواتب 12 شهرا ونصف الشهر، وعندك متأخرات إجازات نحو سبعة أشهر (لأنني لم أكن قادرا على زيارة السودان بعد ان شتمت حكومة نميري علنا بعد ان فرضت ضرائب على المغتربين).. يعني لو تركت الاتحاد سأتقاضى مكافأة تعادل رواتب 19 شهرا وهكذا غادرت الإمارات ووصلت قطر وجيبي مليان، وعلى طول سافرت المدام الى السودان حاملة جيبي ذاك وشيدت به عقارا، فصار جيبي خاويا كما كان.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com