جعفر عباس

الخليجيون واللعب الافتراضي بالفلوس


[ALIGN=CENTER]الخليجيون واللعب الافتراضي بالفلوس [/ALIGN] في كيوتل خضت بتعمق جميع فنون الترجمة، سواء في مجالات العقود القانونية او الكتالوجات الهندسية او المستندات المالية، وقد علمتني التجارب أن أحسن دكشنري / قاموس هو التلفون او التواصل المباشر مع ذوي الشأن، فأكبر خطأ يرتكبه المترجم في حق النص وفي حق نفسه، هو أن يحاول ترجمة نص لا يفهم محتوياته ودلالاته، واستخدام القاموس في مثل هذه الأحوال يوقع في الزلل والأخطاء الفادحة، وبالتالي فعلى المترجم الأمين، أن يسأل ذوي الاختصاص عن معاني المفردات والمصطلحات وليس فقط ما يقابلها من كلمات أو عبارات باللغة “الثانية”، وقد عانيت كثيرا في بداية عملي في كيوتل من ترجمة الموازنة والحسابات الختامية لما فيها من مصطلحات محاسبية ناشفة لم أكن أعرف دلالاتها، ولأعطي القارئ مثالا على ذلك أسأله ما الفرق بين الموازنة والميزانية؟ والشاهد هو أنني أمضيت الساعات الطوال مع المهندسين والمحاسبين، مستمعا لشروحهم لمحتوى النصوص التي كان مطلوبا مني ترجمتها، وخرجت من كل ذلك بفهم عام عن تقنيات الاتصالات ودراية لا بأس بها في ترجمة العقود والاتفاقيات، وكان أهم ما خرجت به من تلك التجربة هو أنه من السخف إيجاد ترجمات عديمة المعنى لمفردات فنية ذات أصول أوروبية، وقد كتبت مرارا عن أن الاتحاد العربي للاتصالات أصدر قاموسا غاية في الركاكة والسخف يحتوي على ترجمات عديمة المعنى لمثل تلك المفردات، ومنها تسمية الفاكس بـ”الطبقصلة”، بزعم أن الكلمة مشتقة من عبارة “طبق الأصل”.. وقياسا على هذا فإن جهاز الفوتو كوبي أيضا طبقصلة، والكربون الذي يسمح بكتابة استمارة من أكثر من نسخة أيضا طبقصلة، وتخيل أنك تقول لبنت جميلة تشبه أمها كثيرا: أنتِ طبقصلة!! ستلعن خاشك ثم تبكي لاعتقادها بأنك قلت أنها “طبق سلطة”، أو “بق فوق بصلة”.. لا يضيرنا في شيء أن يظل الكمبيوتر كمبيوتر وليس “حاسوب”، لأن تسمية جهاز التصوير الضوئي (الفوتو كوبي) بالناسوخ غير مستساغة.. ولو ركبتنا عقدة هجر التسميات الافرنجية فسندخل في متاهات مع الأوكسجين وديسمبر والكيلوجرام والرادار والسينما.
وأهم ما في تجربتي الثانية في قطر (الأولى كانت عاما واحدا) هو أنني بدأت في التعرف على “الخليجيين” عن كثب، ففي قطر دخل القطريون بيتي ودخلت بيوتهم، وصرت “بلبل” في العامية الخليجية وعشقت الشعر الشعبي (ولا أفهم لماذا يسمونه النبطي).. هذه تجربة مهمة أخذا في الاعتبار أنه كانت هناك مفاهيم عجيبة حول أهل الخليج في البلدان العربية الأخرى، منها أنهم قوم لا يحسنون إدارة أمورهم المالية ويلعبون بالفلوس، بل يا ما ترددت مقولات تنم عن حسد وحقد أعمى لأن الله منح اهل الخليج من الثروة الكثير فكنت تسمع كثيرا مقولات: كريم ادى (أعطى) غشيم، وكان مروجو تلك المقولات يتداولون حكايات من ألف وليلة عن أن الخليجيين (من طرف) يمنحون الجرسون ألف دولار بقشيشا على كوب شاي بربع دولار، وأن الواحد منهم إذا مدحته صاح: يا رفيق.. أعطه ناقتين (بي أم دبليو)، وكيس ريالات وطن دراهم.
وانطلاقا من قطر زرت الإمارات والبحرين والسعودية عشرات المرات، وصادقت عشرات الخليجيين،.. صداقة تقوم على التلاقي الفكري والمحبة الانسانية الخالصة، ووجدت من بينهم من يشرب كوب الشاي الكرك (شاي مركّز بالحليب) ثم يجادل: نص ريال بس.. وش فيك تطالب بريال كامل.. مسوي الشاي بمضاد حيوي؟.. نعم هناك خليجيون أثرياء حد التخمة، وبعضهم مبذر ومتلاف، ولكن معظمهم جمع ثروته بالنشاط التجاري وليس مثل أثرياء الدول العربية الفقيرة بسرقة أقوات الناس.. ولي عشرات الأصدقاء في منطقة الخليج أتفادى محادثتهم لأنهم، منذ أن عرفتهم، يشكون من الفلس وأقساط قروض البنك لبناء بيت أو شراء سيارة.. فطورهم كبسة وغداؤهم مكبوس وعشاؤهم مجبوس.. اللهم ارفع عنهم “الكبس” وارفع عنا الفلفلة الناجمة عن إدمان الفول.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com