جعفر عباس

التقشف الإجباري والعاهرون

[ALIGN=CENTER]التقشف الإجباري والعاهرون [/ALIGN] [JUSTIFY]لم استمتع قط ولو بدقيقة واحدة عشتها في لندن مع عائلتي، وكنت قد قبلت العمل في بي بي سي رغم معارضة زوجتي، لأن الراتب المعروض علي كان أقل بكثير من الراتب الذي كنت أتقاضاه في قطر، ولكن المسألة لم تكن تتعلق بالمال في نظري، فكما ان شهادة خبرة تؤكد انني كنت “مترجما في السفارة البريطانية في الخرطوم ثم شركة ارامكو النفطية”، فتحت أمامي فرص عمل كثيرة، فقد كنت أود وضع بي بي سي في سيرتي الذاتية وخاصة ان الفضائيات العربية صارت تتوالد كالفطر، وكنت أعرف أن خبرة بي بي سي ستفتح لي أبواب العمل في العديد منها.

وكان الأمر شاقا على زوجتي على نحو خاص، ففي بريطانيا يبدأ العمل في التاسعة صباحا وينتهي في الخامسة عصرا، يعني فترة العمل بما فيها استراحات الشاي والغداء 8 ساعات فقط، ولكن مع حساب مدة الذهاب والإياب تكون خارج البيت 12 ساعة على أقل تقدير، وبالتالي وقع عبء التسوق وشراء مستلزمات البيت على عاتق زوجتي، فكانت تخرج كل يوم لشراء حاجات الطعام، وكان يحز في نفسها أننا صرنا نشتري اللحم بالباوند/ الرطل بينما كنا في قطر نشتري عادة نصف خروف ونقوم بتخزينه.. وكانت الدموع تطفر من عينيها وهي تشتري برتقالات بعدد أفراد الأسرة وهي التي اعتادت في قطر على وجود الفواكه في البيت بـ “الصناديق”، ولأنها كانت من هواة التزلج على الجليد فقد فازت بكذا “وقعة” في الشتاء فوق ما يسمى “بلاك آيس” أي الثلج الأسود، وبينما الجليد أبيض اللون وظاهر للعين، فإن الثلج شفاف ومن ثم لا يلاحظ الانسان وجود طبقة رقيقة منه على الأسفلت، فيحسب أن الشارع “نظيف” فتحدث الزحلقة والانزلاق، واكتشفنا منطقة اسمها وود قرين في شمال غرب لندن بها سوق خضروات ومتاجر تركية تبيع السلع بأسعار زهيدة جدا، ثم عرفنا المحلات المعروفة باسم “كاش آند كري” أي ادفع نقدا واحمل بضاعتك من سكر وزيت وصابون بأسعار أكثر من معقولة.

في الحقبة اللندنية تعرفت على أصناف من العرب والمسلمين من النوع “اللي يكسف”، أعني من نالوا اللجوء السياسي في بريطانيا بمزاعم كاذبة، ثم استمرأوا العيش عالة على دافع الضرائب البريطاني بتلقي معونات اجتماعية اسبوعية ومساكن مجانية، ولم يعرفوا من لندن سوى خماراتها وحاناتها، ولاقيت من عاش في بريطانيا نحو 15 سنة، دون ان يفتح فمه بجملة انجليزية ولو غير مفيدة، وكان هناك صنف منهم على درجة عالية من الانحطاط الخلقي، فما ان يجد طلبه لنيل اللجوء مرفوضا حتى يلجأ إلى مكاتب سيئة السمعة توفر له زوجة تحمل الجواز البريطاني، نظير مبلغ معلوم، وهو يعلم سلفا أنه لن يراها بعد خروجه من مكتب الزواج، بل وأنها متزوجة سلفا بستة أو تسعة آخرين، فالمسألة بالنسبة لها “بزنس”، وكان القانون البريطاني وقتها يعطي حق المواطنة لكل أجنبي/ أجنبية يتزوج/ تتزوج ببريطانية/ بريطاني لأجل معلوم، والأدهى من كل ذلك أن بعض النساء العربيات اللواتي يعتقدن ان العيش في بريطانيا هو غاية المنى والمراد، كن يتزوجن بتيوس زواجا تجاريا من أجل نيل الجنسية البريطانية، وكانت هذه الفئة من الجنسين، في نظري تمارس البغاء الذي هو الدعارة ليعيش افرادها طفيليين.

وذوو العود الأخلاقي الهش يتساقطون سريعا أمام غواية الانجرار وراء قشور ثقافات البلاد الصناعية، بينما من يقفون على أرض ثقافية صلبة يحتفظون بهوياتهم ويركزون على الاستفادة من إيجابيات وإنجازات الحضارة الغربية في مجالات غير تلك التي توفرها علب الليل و”حياة الليل”.[/JUSTIFY]

أخبار الخليج – زاوية غائمة
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]