جعفر عباس

ولقد برئتُ من الخرف

[ALIGN=CENTER]ولقد برئتُ من الخرف [/ALIGN][/COLOR] لقرابة شهر خالفت “زاويتي” هذه معهود نهجها، وظللت أكتب فقط عن الثورات المنعشة المدهشة التي تشهدها العديد من الدول العربية، متوقفا طويلا عند ثورة 17 فبراير الليبية التي مازال فرسانها مرابطين في الساحات طلبا للنصر، ووردتني مؤخرا ثلاث رسائل، القاسم المشترك بينها هو ما معناه: نقرأ لك بانتظام منذ سنوات، وما كنا نحسب أنك تستطيع كتابة مقالات متجانسة ومترابطة المحتوى وتخوض في عمق الشؤون السياسية!! وبين سطور تلك الرسائل قرأت ما يلي: ما كنا نحسب أنك شخص يتمتع بقوى عقلية شبه كاملة ومبرّأ من الخرف!! بعبارة أخرى كان لتلك الرسائل محتوى “خبيث”.. أتكلم هنا عن الخبث اللطيف الذي تتميز به الدعابة الحسنة النية، ولكن الخواجات اجتمعوا 18 فبراير المنصرم، ليؤكدوا أن أبو الجعافر أبعد ما يكون عن الخرف وأنه من الفئات التي تتمتع – بإذن الله – بمناعة ضد الخرف.

في ذلك اليوم انعقد في العاصمة الأمريكية مؤتمر تطوير العلوم الذي خاطبته نيابة عني الدكتورة إيلين بيالستوك، من جامعة يورك في مدينة تورنتو بكندا، وقدمت أدلة قاطعة على أن من يجيدون لغتين يتمتعون بمناعة ضد الخرف ومتلازمة الزهايمر، لأن أدمغتهم تجيد فن الانتقال من خزان لغوي إلى آخر بكفاءة، وهو أمر يتطلب يقظة ذهنية عالية، وهو ما يشبه خزان (تنك) الوقود الاحتياطي في السيارة، فما ان ينفد البنزين في الخزان الرئيس حتى تبدأ السيارة في الشفط من الخزان الاحتياطي بسلاسة ومن دون أن يتوقف المحرك ولو لنانو ثانية (ومسخني الله قردا لو كنت أعرف ما هو النانو ثانية، وبحثت عنها في موسوعة ويكبيديا فقالت إنها تساوي واحدا على الألف من المايكروثانية، وأصابني الله بلوثة قذافية لو فاهم شيء)، وتوصلت الدكتورة بيالستوك والفريق العامل معها إلى هذا الاستنتاج بعد دراسة حالات مئات الأشخاص على مدى ثلاثة أعوام، ثم نشرت الدراسة في مجلة “نورولوجي/ علم المخ والأعصاب”، وكان نصف المجموعة الخاضعة للدراسة يعرفون أكثر من لغة واحدة، بينما النصف الآخر لا يعرفون غير لغتهم الأم، وحتى بالنسبة لمزدوجي اللغة الذين أصيبوا بالزهايمر كان تقدم المرض بطيئا وإمكان السيطرة عليه كبيرا!! فما بالك بأبي الجعافر الذي يكسب قوته اليومي باستخدام اللغتين العربية والإنجليزية بينما لغته الأم هي النوبية التي يجيدها بلهجاتها الثلاث!! يعني مؤكد على الأقل أن أبو الجعافر “الحالي” أعقل من القذافي في شبابه!!

وليس جديدا ان يردد الباحثون الطبيون أن تحفيز الدماغ بالدراسة والتحليل والتقصي والتفكير العميق يجعله أكثر نشاطا وأقل قابلية للتدهور الذي يقود الى الخرف، وكل من سافر الى الغرب يلاحظ هوسهم بالكلمات المتقاطعة وفي السنوات الأخيرة الـ”سودوكو”، ورغم ولعي بالكلمات المتقاطعة فإنني صرت لا أجد في ما ينشر منها في الصحف العربية ما يمثل عنصر “تحدي” عقلي/ ذهني، واشتري بين الحين والآخر مجلة زهرة الخليج النسائية وأرى نظرات الاستنكار في عيون من يضبطونني متلبسا بالإمساك بها، وواقع الأمر هو ان المجلة تولي اهتماما كبيرا للكلمات المتقاطعة واشتريها إذا كان لدي موعد في عيادة طبية، لأنني أكره الانتظار، ولن تجد في أي عيادة مجلة يقل عمرها عن خمس سنوات، فأجلس “أكسر الدقائق” في حل الكلمات المتقاطعة، والشاهد يا جماعة ان العلماء الأمريكان والكنديين اثبتوا ان ابا الجعافر بكامل قواه العقلية وأن الدليل الحاسم على ذلك أنه من طرح شعار “الزوج يريد تغيير المدام”، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة كالتي يواجهها الزعيم أبو “خيمة”، الذي سمعت ولده أبو السيوف الصدئة يقول قبل قليل: طز في العرب.

[Email] jafabbas19@gmail.com [/Email]