تحقيقات وتقارير

نقاط فوق حروف قضية عطاء موقف المواصلات الجديد

[ALIGN=JUSTIFY]وقعت محلية الخرطوم وشركة كركر للنقل مساء يوم 17مارس الماضي بفندق روتانا عقدا لإنشاء و إدارة موقف مواصلات الخرطوم الجديد تستمر لمدة خمس سنوات مقابل مليار وستمائة وخمسين مليون جنيه تدفعها الشركة شهريا للمحلية ، و حسب الخبر كان من المنتظر أن تكتمل المرحلة الأولى من المشروع خلال شهرين .
صحف يوم 18 من ذات الشهر أوردت هذا الخبر الذي لا يحتوي على عناصر يمكن أن تميزه عن أخبار ذاك اليوم. ولم يعلق عليه سوى النقابة العامة لأصحاب الحافلات التي احتجت على تغييبها ، و يبدو أن التعاقد مع شركة لإدارة الموقف جعلها تتخوف من أن تزيد هذه الخطوة من الرسوم والجبايات على كاهل منسوبيها وتسلبها الكثير من الاختصاصات التي ظلت تضطلع بها لأمد بعيد.
و بدلا من أن ينزل مضمون الخبر كفعل في أرض الموقف الجديد بمحاذاة كبرى الحرية من الجهة الغربية كما كان ينتظر الجميع انفجر في أروقة حكومة الولاية كنزاع قانوني لجأ أطرافه في نهاية الأمر إلى مكاتب وزارة العدل طلبا لفك الاشتباك قبل أن يأخذ طابعا إداريا وسياسيا و يطيح بمعتمد محلية الخرطوم الذي بدا سعيدا عشية توقيع العقد وهو يصرح للصحفيين معددا مزايا موقف المواصلات الجديد الذي وصفه بأن له أبعادا أمنية واقتصادية وطرح ما في جعبته من خطط لتطوير وسط الخرطوم ، من منصبه في مفاجأة لم يتوقعها لها أحد حتى أن أعضاء مجلس تشريعي المحلية تفاجأوا بالأمر كما جاء في تصريح لأحدهم.
غير أن الحيثيات التي خرجت من رحمها تلك المفاجآت بدأت تتكشف رويدا رويدا بالتصريحات والتصريحات المضادة لأطراف النزاع على صفحات الصحف حيث برر فيها الوالي إقالة المعتمد انه بسبب ما اعتبره مخالفات واضحة وإجراءات خاطئة في طرح وتنفيذ العطاء مثار الأزمة، بالمقابل فإن المعتمد الذي عاد من مشفاه في ماليزيا رد على الوالي مشككا في الأسباب التي ساقها لتبرير إقالته قبل أقل من «6» أشهر من تقلده لمنصبه واتهم الوالي بأنه خطا تلك الخطوة لأنه لم يرس العطاء على شركة بعينها كان هو يريد أن تفوز بها وذهب إلى أبعد من ذلك حين قال انه سيكشف كل الحقائق في مؤتمر صحفي و يثبت بالمستندات عدم عدالة د. عبد الحليم إسماعيل المتعافي والي ولاية الخرطوم في إرساء عدد من العطاءات لمن لا يستحقونها ، وطالب الكودة والي الخرطوم بضرورة انتهاج الشفافية في مسألة توزيع العطاءات على كل المسؤولين، وأضاف سأثبت للشعب السوداني بأنني على صواب غير أن تدخل جهات حزبية وحكومية عليا حال دون إقدامه على الخطوة التي هدد بها حسب ما تقول مصادر مقربة من دوائر الولاية .
كما أن تسريب المستندات في حرب مكشوفة لتدعيم المواقف واستمالة الرأي العام والرسمي سلطت الضوء على الكثير من الزوايا المعتمة.
ولجأ الطرفان لوزارة العدل حيث تقدم الوالي بطلب إلى وزير العدل لإلغاء العقد التكميلي لموقف النقل العام بالخرطوم كما جاء في نص الطلب آخذا عليه كما جاء في خطابه المؤرخ بـ 8 سبتمبر الماضي الإضافات التي تمت فيه بعد رسو العطاء، وأبرزها زيادة المدة المتنافس عليها إلى الضعف وتقييد حركة التجارة الهامشية لصالح الشركة والتزام المحلية بدفع «5» ملايين جنيه فضلا عن ضريبة القيمة المضافة للشركة دون مقابل الأمر الذي اعتبره في خطابه إهدارا لموارد المحلية وأيلولة محطة الخدمة للشركة بعد نهاية المدة المتفق عليها ، وفي ختام خطابه يقول الوالي : «مما تقدم واستشعارا بمسؤولياتي في حسن إدارة الولاية والمحافظة على مواردها خاصة في مجال الحكم المحلي ولأن العقد الإضافي يغير في المحتوى والمضمون من العطاء المتنافس عليه أرى أن هذا العقد يضر بمصلحة المحلية ومواطنيها ويلزمها لتقديم خدمات للقطاع الخاص من غير عائد يذكر» .
عليه أرجو إلغاء العقد الإضافي والالتزام فقط بالعقد الأول لاسيما وأنه لم تتم إجراءات مناقصة عامة أو عطاء يتم بموجبها منح الشركة الامتيازات التي نص عليها العقد .
شركة رواج العودة المنافسة لشركة كركر قدحت أيضا في العقد و تقول ان ظلما وقع عليها نتيجة لما وصفته بالغموض والأخطاء التي صاحبت العطاء مثار الجدل ورفعت شكاوى إلى والي ولاية الخرطوم ومعتمد المحلية .
وفي الأثناء التي كانت تجري فيها مساعي لإشراك الشركة المنافسة والتي فشلت لاحقا نتيجة لعجزها عن توفير ما يليها من مبالغ مالية حسب ما رشح عن المعسكر الآخر، ارتفع الهمس في مجالس الخرطوم حول العقد والشركات و الشركات التي تقدمت وتصنيفها بأنها تتبع أو في حماية هذا أو ذاك من المسؤولين بالولاية، ولم تمل المجالس الحديث عن القضية حتى بعد صدور فتوى وزارة العدل التي نجتزئ منه لضيق المجال بعض الفقرات التي نراها مهمة والتي ترى أن الصيغة القانونية للعقد قد اختلفت بعد التعديلات التي تمت لاحقا، إذ أن العقد الأساسي كما تقول الفتوى هو عقد إدارة وتشغيل BOT في حين ان العقد اللاحق هو عقد مقاولة، و لم يكن من الجائز قانوناً ان تطرح المقاولة في صيغة الممارسة، بل الواجب ان تكون في صيغة المناقصة، مما حرم الآخرين من الحق في التنافس. لأن الاتفاق اللاحق أوجد واقعا جديدا بتعديل جداول كمياته ومواصفاته تعديلاً جذرياً حيث أحدث المتعاقدان زيادة في مدة الأجرة بنسبة 100% ، رفعا قيمة العقد إلى «15» مليون جنيه بنسبة «50%».
وهذه الشروط الجديدة كانت تقتضي حسب وزارة العدل أن تطرح في منافسة، وذلك تحقيقاً للمصلحة العامة، كما أن التعديلات في العقد قبل بداية التنفيذ ليس لها سند في لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 1995م، حيث أن تطبيق المادة «59/1/ب» يكون عند القيام بزيادة أو تحسين عمل تم انجازه بواسطة جهة فنية معينة، واقتضت أسباب فنية واقتصادية أن يعهد به إلى الجهة التي أجازت العمل السابق، فلما كان العقد بين محلية الخرطوم وشركة كركر لا زال قيد التنفيذ، فإنه لا عمل تم انجازه ليكمل بصياغة عقد جديد وفقاً لأحكام النص المشار إليه.
وترى وزارة العدل في فتواها أن العقد أغفل تطبيق نص المادة «65/أ » من لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية، لعدم النص في بنوده على إكمال الطرف الثاني «شركة كركر» التأمين المبدئي إلى «10% »، بشيك معتمد أو بموجب خطاب ضمان مصرفي ساري طيلة فترة التنفيذ.
كما أخذت الفتوى على العقد ما أورد الاتفاق اللاحق في إضافات البند «4»الآتي «يتم فتح حساب مشترك بين الطرفين تودع فيه المبالغ المتحصلة من المستأجرين» إلا أن النص قد وضع شرطاً جزائياً على الطرف الأول «المحلية» إذا ما فشل الطرف الثاني «شركة كركر» في الوفاء بالتزاماته المتعلقة بتسليم الدكاكين للمستأجرين، وذلك بأن يلتزم الطرف الأول «المحلية» بإرجاع المبالغ للمستأجرين، وتساءلت لماذا تلزم المحلية نفسها بتحمل فشل الطرف الثاني في الوفاء بالتزاماته تجاه طرف ثالث لم يكن بينه والمحلية عقد؟ مضت في تساؤلها تقول وكيف تسترجع المحلية هذه المبالغ المودعة في حساب مشترك دون الحصول على موافقة وتوقيع شركة كركر؟!
وخلصت الفتوى إلى أن العقد يشوبه بعض الغموض كما هو الحال في البند «3» من العقد اللاحق الذي أورد فيه عبارة الأنشطة المصاحبة ضمن الأعمال دون تفسير لماهية هذه الأنشطة التي في اغلب الأحيان قد تشمل أعمال الدعاية التي لها قيمتها الأدبية والمادية، و التي تقتضي المصلحة العامة أن تشرف عليها المحلية كما أن المحلية قد تضررت من الناحية المادية والمدة الزمنية للإيجار، فطالما تم تعديل العقد وذلك بمضاعفة قيمته والمدة للأجرة، فإنه يجب أن يقابل ذلك مضاعفة المقدم المدفوع والأجرة الشهرية.
وهذا ما توصلت إليه اللجنة الخاصة بدراسة فتوى وزارة العدل تجاه العقد المبرم بين محلية الخرطوم ورجل الأعمال الذي فاز بالعطاء و التي ظلت في اجتماعات متواصلة برئاسة وزير التخطيط العمراني المهندس عبد الوهاب محمد عثمان، لبحث كيفية التعامل مع العقد بعد الفتوى الصادرة من وزارة العدل وأسدلت اللجنة الستار على هذه القضية بعد ان تراضت كل الأطراف على اتفاق يقضي بالإبقاء على تفاصيل العقد كما هي ورفع قيمة العقد من مليار و«350» مليون جنيه إلى «2» مليار جنيه وينتظر أن تعلن عن الاتفاق بشكل رسمي في مؤتمر صحفي تعقده اليوم غير أن هذا يعني أن اللجنة تجاوزت كل الملاحظات والتحفظات التي وردت في فتوى وزارة العدل بل وحتى طلب والي الخرطوم المقدم لوزير العدل ومظالم شركة رواج العودة وغيرها التي تحدثت عن غموض وأخطاء وتجاوزات شابت العقد الأمر الذي يعني أن محور وجوهر المشكلة التي شغلت الخرطوم طوال الفترة الماضية لم تكن سوى مساومة مالية، وتجاوز كم المآخذ القانونية تؤكد أن اللجوء إلى القانون كان بهدف الوصول إلى مبالغ مالية أكبر وليس للاحتكام إلى سلطة بنوده وحسم القضية بالاتفاق أعلاه يدفع كل مراقب لهذه القضية للتساؤل عن حق الشركات التي أخرجتها الأخطاء التي صاحبت العقد من ميدان المنافسة والتي ربما كان عرضها يحقق المصلحة العامة أفضل مما انتهت إليه اللجنة المؤقرة مع الشركة التي فازت بالعطاء خاصة وأن الفتوى قالت بوضوح أن التعديلات أدخلت في العقد التكميلي غيرت من الصيغة القانونية للعطاء وحرمت الآخرين من حق التنافس .
قذافي عبد المطلب سعيد :الصحافة [/ALIGN]