جعفر عباس

زميلي الذي وقع في غرامي!!

زميلي الذي وقع في غرامي!!
في الكويت، تقدمت فتاة ببلاغ إلى الشرطة بأن رجلا درج على الاتصال بها هاتفيا لإسماعها عبارات الغزل، ولما توقفت عن الرد على مكالماته، صار يمطرها برسائل نصية عبر الهاتف النقال كلها من شاكلة: يا عيوني.. يا كبدي.. يا بعد عمري.. يا ساكنة قلبي (لماذا يرتبط الحب بأجزاء معينة من الجسم مثل العين والكبد من دون غيرها؟ لماذا لا يقول شخص ما لمن يحب: يا قولوني أو يا مرارتي أو يا بلعومي أو يا جيوبي الأنفية أو يا مناخيري؟).. المهم كان من السهل على تلك الكويتية أن تثبت صحة شكواها لأنها احتفظت بالرسائل الغزلية وكان الرقم مصدر تلك الرسائل واضحا،.. واتصلت الشرطة برقم العاشق اللاسلكي، وقالوا له إن هناك مخالفة مرورية مسجلة ضده وإن عليه أن يأتي الى المخفر.. فعلوا ذلك لأنهم افترضوا أن مواجهته بالتهمة الأصلية قد تجعله يهرب، أو يقدم على تصرف يخفي به الأدلة (كأن يتوجه الى مركز شرطة لتسجيل بلاغ بأن هاتفه النقال مسروق منذ شهور)، وجاء الرجل الى المخفر فواجهوه بأمر الشكوى التحرشية، وكانت المفاجأة ان الرجل لم ينكر التهمة بل استنكر ان تستدعيه الشرطة، فقد قال ما معناه: وش فيها لو انا اتصلت بواحدة وقلت لها إنني معجب بها وأحبها؟ هل هناك نص قانوني أو دستوري يمنع الحب او التعبير عن الحب؟ راجعوا رسائلي إليها ولن تجدوا فيها عبارة او كلمة خادشة للحياء.. وقد تنازلت الفتاة عن الشكوى ليس لأن حجج الرجل دفاعا عن نفسه قوية ومقنعة، ولكن لأنه كان قد تجاوز الستين بأشواط، فقد رأت بنت الناس أنه لا داعي لجرجرة رجل متقدم في السن في المحاكم وفضحه أمام الملأ نظير تعهده بالتوقف التام عن مغازلتها ولو بلغة مهذبة.
ليس من الوارد ان يتهمني أحد بأنني كنت اعاكس البنات بالتلفون حتى في شبابي، لأنني لم ألمس التلفون بيدي إلا بعد أن تجاوزت الـ18 وكان ذلك بمناسبة تلقي خبر وفاة جدتي، وقد أنستني فرحة استخدام التلفون حزني على جدتي.. والمسألة عندي ليست أن شخصا أهبل فوق الستين يعاكس فتاة تصغره بأكثر من 40 سنة، بل هي مبدأ رفض التغزل بشخص لا تعرفه أو لا يكنلا لك أي عاطفة.. وقد كتبت أكثر من مرة عن صديق لي في المرحلة الثانوية نشر في «مجلة الإذاعة والتلفزيون» أنه من هواة التعارف ومراسلة الفتيات، وكفاعل خير فقد ظللت أراسله نحو سنتين، وكلفني ذلك مبالغ طائلة لأن طابع البريد للرسالة الواحدة كان قرشا كاملا، كتبت له الرسالة الأولى بيدي اليسرى لأنه يعرف خطي وقلت له إنني فتاة تهوى مراسلة الفتيان، وجعلت عنواني البريدي منزل قريب لي في الخرطوم بحري (وكان البريد في ذلك الزمان يوزع على البيوت)، وكنت أتلقى منه رسالة شهريا، وفي رسالته الثانية أعلن حبه لي (نقطة نظام كي لا يشطح بكم الخيال المريض: تذكروا أنني كنت اتقمص شخصية بنت وهمية).. ما حملني على ذلك هو «الغيظ» لأنني لا أفهم ما معنى أن يكون شخص ما من هواة المراسلة «من طرف» فإذا كنت تهوى المراسلة فراسل والديك وإخوتك وأصدقاءك وزملاءك، ولكن أن تضع اسمك في جريدة طالبا من أشخاص لا تعرفهم ان يراسلوك فأنت كالعجوز الكويتي الذي يحب واحدة لم تكن تعلم بوجوده على كوكب الأرض.
ولما أعلن زميلي حبه لي قررت الانتقام منه، وأبلغته (كحبيبة) بلهفتي للقائه، وضربت له موعدا في ميدان الأمم المتحدة في منتصف نهار يوم صيفي.. وذهبت الى مكان اللقاء، ولكن بوصفي جعفر عباس وليس «الحبيبة» وكان وقتها قد بدأ يعاني من الجفاف من فرط التعرق، ولما رآني بذل جهودا جبارة لزحلقتي أي التخلص مني، من دون أن يوضح لي لماذا هو جالس تحت الشمس بملابس استعارها من عدة أشخاص… وبالطبع لم تظهر الحبيبة وبعثت اليه برسالة اعتذار ورميت اللوم على أخي المتخلف الذي منعني من الخروج من البيت.
ودخل كلانا الجامعة، وصار لصاحبنا حبيبة حقيقة، فسألته عن الحبيبة التي كان يراسلها خلال المرحلة الثانوية، فقال إنه اكتشف انه كان عبيطا عندما افترض انه يحب فتاة لم يرها لمجرد أنها راسلته، فقلت له: أنت شفت من كان يراسلك عدة مرات، فلما رأيت الدهشة على وجهه سردت عليه تفاصيل الفيلم الهندي الذي قمت بإخراجه فلم يصدقني فذكرت له اسم الفتاة وبعض نصوص رسائلها ومنظره وهو ملطوع في ميدان عام.. رأيت الغضب في عينيه فقلت له بكل هدوء: عفا الله لك ولي عما سلف.. هسع تحترم نفسك وللا أكلم حبيبتك الحقيقية بـ «حقيقتك»؟ وتم تطبيع العلاقات بيننا.
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com[/EMAIL]