جعفر عباس

يا فتاتي لا تجعلي من الشنطة ورطة

يا فتاتي لا تجعلي من الشنطة ورطة
عندما أصاب بصداع أثناء ساعات العمل، أبحث عن أقرب زميلة وأطلب منها قرصا لعلاج الصداع، ولم يحدث قط على مر السنين أن خيبت زميلة ظني، وقالت إنها لا تحمل معها أي عقار للصداع، بل يحدث العكس، وهو أن تعرض علي تلك الزميلة تشكيلة من أدوية الصداع: بندول أم أسبرين، أم بروفين أم تايلينول؟ ولكن في أحيان كثيرة وبينما تحاول الزميلة العثور على قرص الدواء المناسب يكون صداعي قد تحول الى صرع أو انهيار عصبي، فالبندول وإخوته في الرضاع موجودون في كل شنطة يد نسائية، «ولكن التأمل في الخروج»، أي تكمن المشكلة في العثور عليه، وهي مسألة ليست بسيطة، فلسبب غير معروف فإن النساء عندما يردن البحث عن شيء موجود في حقائبهن يتركن المهمة لأيديهن لتسوط وتجوط محتويات من كل صنف ونوع، من دون استخدام حاسة النظر، إلا عند اليأس التام من عملية التنقيب باليد، واكتشفت مبكرا ان النظر الى محتويات أي حقيبة نسائية حتى لو كانت تخص ابنتك «عيب»، أما لو أدخلت يدك في مثل تلك الحقيبة فتلك جريمة وتنهال عليك شتائم من نوع: جلف.. قليل أدب.. عديم الذوق.. حشري.. بل وحتى «قذافي».
ولا أعرف لماذا قضيت سنوات عمري كلها وأنا لا أحمل حقيبة إلا عند السفر بينما لا تخرج زوجتي إلا ومعها شنطة تشبه البلاوي التي يحملها المارينز الأمريكان خلال المعارك (وتزعم أنها لا تعرف لماذا أصيبت بفتق في الحجاب الحاجز).. بل وأن معظم الرجال لا يحملون في جيوبهم غير المحفظة وربما مفتاح السيارة، ولم ألاحظ أن حمل شنط اليد جعل حياة النساء أكثر سلاسة خارج البيت، مقارنة بحياة الرجال الـ «بدون شنط».. بل أنني صادفت نساء كثيرات يخرجن عن أطوارهن أثناء النبش في حقائبهن بحثا عن الهاتف الجوال مثلا وتصدر عنهن مفردات نابية أكثرها تهذيبا: أف.. فهناك مفاتيح وبسكويت وكلينكس وكذا إصبع مكياج وعلب بودرة و… (وهي من الضروريات النسائية)، وكما ألمحت في أكثر من مقال فإن علماء آخر الزمان من فصيلة الفاضي يعمل قاضي عكفوا على دراسة «لماذا تحمل المرأة حقيبة ملأى بأشياء متنوعة؟»، وقاد هذا الفريق عالم الاجتماع الفرنسي الأشهر كلود كوفمان الذي يرى أن شنطة اليد تمثل استقلال المرأة وانتقالها من الأسْر (البيت) الى العالم الخارجي وبالتالي صارت الشنطة تعبيرا عن هوية المرأة المستقلة، ويستند في هذا إلى أن النساء في العصور التي كان فيها دورهن يقتصر على شؤون البيت لم يكن يحملن أي شيء خارج البيت سوى أكياس الخضار واللحم إلخ.. ربما كان الخواجة كوفمان على حق فأمي مثلا، لم يحدث قط ان حملت معها شنطة خارج البيت،.. كانت أحيانا تحمل محفظة نقود صغيرة جدا، بل عندما كنا صغارا كانت تلك المحفظة تتدلى من رقبتها بسيور جلدية طويلة كانت تستخدم كأداة لجلدنا ونحن صغار.
ولا أرى غضاضة في أن تحمل امرأة مختلف الأشياء في حقيبة يدها ولكن المسألة خرجت من نطاق الضروريات الى الفشخريات، فلون الشنطة يجب ان يكون منسجما مع لون الملابس، وسمعت ذات مرة شابة زميلة لنا في العمل تقول إنها اشترت الشنطة التي تحملها بـ 6000 دولار، وكانت وقتها لم تكمل سنتها الأولى في الحياة العملية فقلت لها إنني لا أعرف كم تتقاضى شهريا كراتب، ولكنني متأكد أن تلك الحقيبة تساوي راتبها في ثلاثة أشهر ثم أضفت: لو لقيتي عريس آدي دقني أحلقها بمبرد!! وكان ردها بليغا: أصلا مش راح اتزوج شخص ما يقدر يشتري لي شنط لوي فوتون أو كينزو!! سامعين يا شباب؟ شنط السيدات ماركات ونحن مش دارين، وحتى شنط السامسونايت توقفنا عن استخدامها.. يا بنت الناس: كل الشنط الماركات مصنوعة من جلود الأبقار، فلا تكوني بقرة وتشتري واحدة ثمنها يكفي لشراء بقرة بجلدها ولحمها وعظامها.
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com[/EMAIL]