جعفر عباس

عرق المحبة

عرق المحبة

وقفت سيارة فارهة أمام محل تجاري في أحد أسواق بغداد ونزل منها رجل بهي الطلعة حسن الهندام، وطلب تزويده بعشرة كيلوجرامات من الآيس كريم، ليعطيها لقرد ذي مواصفات خاصة وله غرة على جبينه، وبعدها ببضعة أيام وقفت سيارة أخرى أكثر «فراهة» أمام المحل نفسه، ونزل منها شاب أنيق وطلب أيضاً بضعة كيلوجرامات من الآيس كريم، فتساءل صاحب المحل عن السر، فقال له الشاب إن معه بالسيارة قرداً متميزاً يعشق الآيس كريم فألقى صاحب المحل نظرة متطفلة على القرد وفوجئ بأنه القرد ذو الغرة الذي حدثه عنه الرجل الآخر قبل أيام.
ودفعه حب الاستطلاع إلى طرح المزيد من الأسئلة حول القرد، فقال له الشاب إن ذلك الحيوان من أصحاب الكرامات، وانه قادر على اصطياد نحو مائة من طيور الحبارى يوميا! وهنا عرض بائع الآيس كريم أن يشتري القرد، ولكن الشاب الأنيق رفض ذلك، ولكن التاجر ألح في الطلب، فرق له قلب الشاب، وعرض بيعه نظير نحو 18 ألف دولار أمريكي، وفرح التاجر بصفقة العمر التي ستتيح له أن يتاجر في لحوم طيور القنص النادرة، في اليوم التالي أغلق محله وهاجر بالقرد إلى جنوب العراق حيث الصيد الوفير، وأطلق العنان للقرد المبروك بعد أن حدد موقع سرب من الطيور السمينة، وما أن شاهد القرد الطيور حتى قفز وحط على كتف صاحبه الجديد… حاول الرجل أكثر من مرة أن يقنع القرد بأنه ليس هناك ما يدعوه إلى الخوف من الطيور، ولكن مفيش فايدة! باختصار اتضح أن القرد كان حيواناً لم يكمل تطوره حتى بالمقاييس الداروينية، وبإمكان من يريد مشاهدة ذلك القرد المستهبل أن يزور سوق الغزل في بغداد ليرى الرجل جالساً شارد الذهن في مدخل السوق وإلى جواره القرد الذي ذهب بماله وعقله.
ما للعرب والمعجزات والبركات؟ ذاك تخصص برع فيه أهل افريقيا، وعندنا منهم في السودان جيوش: يتركون بلادهم بزعم أنهم ذاهبون إلى الحج رجالاً (لا يتعاملون مع أي ضامر أو طائر)! ثم يحطون رحلهم في إحدى قرى أواسط السودان، وهؤلاء القوم يتخصصون في التعاويذ والرقى والتمائم ويستطيعون تحصينك ضد السلاح فتنهال عليك السيوف وطلقات الرصاص فتهشها من جسمك كالفراش، ولدينا آلاف البشر في السودان يزعمون أن الرصاص لا يخترق أجسامهم، ولو كان في الجامعة العربية خير لجندتهم لتحرير فلسطين.
أما المجال الذي أستطيع أن أؤكد أن خبراء غرب إفريقيا أثبتوا فيه كفاءتهم فهو مجال «الحب»، فلديهم شيء اسمه «عرق المحبة» – بكسر العين – مأخوذ من جذر شجرة معينة وتتم معالجته عن طريق أشخاص أولي قدرات خارقة، فإذا وضعت شيئاً من ذلك العرق أو مسحوقه في شراب لطعام الحبيب «المطنش»، فإنه يصبح رهن غمزة من عينك ويتبعك كظلك، (كتبت في هذا الموضوع كثيرا ولكنني أعود إليه على أمل أن يستعين بي زبائن فأزودهم به ويزودوني بالمال) وكان استخدام ذلك العرق ميسوراً أيام كانت الحياة بسيطة، ولكن الأحوال تغيرت وصار الناس يسكنون في فلل او شقق في عمارات متعددة الطبقات، مما يجعل توصيل مسحوق المحبة الى بيت وجوف الحبيبة أمرا محفوفا بالمخاطر وخاصة أن معظم الآباء العرب «رجعيون ومتخلفون!!»، ويسيئون فهم نوايا أي رجل يجدونه داخل مطابخ بيوتهم.
هناك حل جذري لهذه المعضلة، وهو أن يتسلل العاشق المضطهد إلى سطح العمارة التي تسكن فيها الفتاة المستهدفة ليصب مسحوق عرق المحبة في خزان الماء، ومن إيجابيات هذا الأسلوب أن جميع فتيات العمارة سيقعن في غرام الجاني، وله عندها فرصة ليثبت عند حبه الأول أو أن يغير ويبدل على كيفه بين الضحايا، أما إذا كانت المستهدفة تعيش في بيت أرضي أو فيلا، فما من سبيل سوى تلغيم صهريج المياه الذي يسقي المدينة فيضمن بذلك العاشق وقوع آلاف الفتيات في هواه… وبإمكان القراء الذين لديهم قصص حب معلقة وغير محسومة الاتصال بي على عنواني البريدي الإلكتروني مع إدراج المعلومات المطلوبة عن بطاقاتهم الائتمانية (فيزا وماستر كارد وأخواتها) بمبلغ 150 دولارا للجرعة الواحدة، أما طالبو الحب بالجملة فعليهم تزويدي بتذاكر سفر وفيزات إلى حيث يقيمون لأشرف بنفسي على عملية «العشق» الجماعية من خلال خزانات المياه.

[email]jafabbas19@gmail.com[/email]