الرقص المسلح
كانت طبيعة عملي الحالي في تلفزيون بي بي سي، تستوجب قراءة الصحف العربية الصادرة «بين المحيط والخليج»، وكنت أحسب في بادئ الأمر أن بي. بي. سي غاضبة عليّ وتريد تأديبي بإرغامي على قراءة صحف لم تتغير عناوينها أو محتوياتها منذ أكثر من ربع قرن.. وخلال الأسبوعين الأولين لم يكن ممكناً أن أقرأ نحو 15 صحيفة عربية يومية من دون تعاطي الحبوب المهدئة، فتدهورت حالتي الصحية فلجأت إلى استشاري في الطب المهني النفسي فنصحني بالتوقف عن تناول تلك الحبوب أثناء قراءة الصحف العربية.. فهذه الصحف. بحسب رأيه، تحتوي على مواد مخدرة، فإذا أضيفت إليها أدوية مثل الفاليوم صار مفعولها مدمراً. ونصحني بالصبر والتحمل، أو رفع دعوى على بي. بي. سي لأنها تعرض صحتي العقلية للمخاطر، ولكنني لاحظت أن زملائي الذين يؤدون العمل نفسه، ويتعين عليهم قراءة صحف اليعاربة دائمو الابتسام، قليلو الشكوى، فاستهجنت منهم ذلك، وعندما واتتني الشجاعة وأخبرتهم بمعاناتي، انفجروا ضاحكين ثم شرحوا لي استراتيجيتهم في التعامل مع تلك الصحف، وكانت أهم عناصرها كما يلي: لا تنظر إلى الصفحة الأولى مطلقاً. – ابدأ بأخبار الوفيات لأنها وحدها الصادقة مائة في المائة. – تجول كما تشاء في صفحات الفن والطرب لتضمن لنفسك دوام الابتسام ومن دون تطويل أقول لكم إنني اكتشفت أنهم على حق، ومنذ أن اتبعت طريقتهم، استعدت بعض قواي العقلية (البعض الآخر لا أمل في استعادته) وأصبحت مثلهم كثير الابتسام والضحك، فأخبار الفن وأهل الفن بالذات تشرح الصدر،.. مثلاً كانت هناك راقصة قالت عنها الصحف العربية انها تتحرك داخل سيارة مرسيدس مصفحة لا يخترقها الرصاص، يعني تتحرك كـ «زعيم». ويصحبها أينما ذهبت فريق من الحراس مسلح حتى الأسنان على سيارات جيب، وكانت هذه الراقصة، ولمزيد من الأمن والأمان، تضع «خرزة» داخل المرسيدس لتحميها من كيد الأعداء المتربصين بها وبأمتنا الفتية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الراقصة تتمتع بالأصالة وتشجع الإنتاج المحلي، تمسكها بالخرزة يدل على ذلك ويدل على احترامها للعادات والتقاليد، وعدم انبهارها بما تنتجه الدول الامبريالية.
ثم وجدت دليلاً آخر على أن هذه الراقصة كانت تعتزم الاضطلاع بدور قومي كبير، فقد ذكرت صحيفة عربية أن الراقصة حصلت على هدية من إحدى صديقاتها… طب وماله؟.. صبراً حتى ألتقط أنفاسي. آه آه هـ هـ .. آه .. الهدية كانت ثلاث قذائف آر. بي. جي. قذائف صاروخية تستخدم في تدمير الدبابات والآليات المدرعة… طبعاً سيعتقد الحاقدون أن هذه الراقصة تنتمي إلى جماعة سرية مسلحة، ولكنني أخالف أولئك الرأي، لأنها في الأساس تقوم بنشاطها علناً وتفضل اللعب «على المكشوف»، ومعنى هذا أنها لا تؤمن بالعمل السري، والاستنتاج المنطقي أنها تعتزم استخدام المرسيدس المصفحة وسيارات الجيب ومن عليها من ميليشيات «والخرزة»، والقذائف الصاروخية لتحقيق هدف قومي عجزت عنه جيوشنا التي لا تعرف من العسكرية إلا فن الاستيلاء على السلطة… وأنا لا أعرف يقيناً ما الذي تخطط له هذه المناضلة، فقط أستطيع أن أخمن أنها ربما تعمل على غزو إسبانيا لاسترداد «الأندلس»، فاستعداداتها العسكرية، توحي بأنها ستدخل في مواجهة مع قوة عظمى،.. حلف الأطلنطي مثلاً بعض الأصدقاء والمشفقين عليّ، قالوا لي إنها ربما تريد أن تسبقني إلى تحرير حلايب، وإعلان قيام جمهورية مستقلة هنالك كوسيلة للضغط عليّ، والزواج بي لتفوز بلقب سيدة حلايب الأولى. ولكنني أستبعد ذلك أيضاً، فليس سراً أنني رفضت فكرة الزواج بنبيلة عبيد، وليلى علوي وأخريات من نجوم الفن والطرب، ولا يمكن لشخص كهذا أن يتزوج راقصة «مدرعة».
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]