جعفر عباس

للبريطانيين فقط (2)

للبريطانيين فقط (2)
[/B][/CENTER] جمائل البريطانيين على شخصي وأمة الأعراب لا تحصى، وقد عشت في بلدهم حينا من الدهر كخبير أجنبي (نعم يا عرب فمن الجائز ان يكون الخبير أسود اللون)، وقلت في مقالي السابق إن مشكلة بريطانيا تكمن في هوس أهلها بـ«التخطيط»، فكل شيء عندهم يجب ان يتم بموجب خطة، وأكتب هذه السطور قبل أيام من زواج الأمير وليام حفيد الملكة إليزابيث الثانية، ومنذ شهور والبروفات تجري على قدم وساق، والأمير المسكين يقضي الساعات الطوال يوميا وهو يحسب خطواته من هذه النقطة الى تلك، ويقولون له إن عليه ان يختصر ربع ثانية من الوقت، ويظل يتدرب لخفض سرعته ليكسب ربع الثانية حتى يتساوى إيقاع خطواته مع خطوات حرمه كيت ميدلتون، وعليه ان يرفع يده بالتحية بزاوية معينة، وكأنما الزيجة لن تنجح إذا لم يتم قياس كل طقوسها بالميلي والنانو ثانية.. وعندنا قد تذهب الى حفل زفاف في الـ11 ليلا لتكتشف أن العشاء لم يقدم بعد للضيوف، وقد يذهب غيرك الى حفل زفاف آخر في الثامنة مساء ليكتشف ان العشاء شطّب.. بح، ولم نسمع أن شيئا من ذلك أثر على علاقات الأزواج المعنيين. ولكيلا أثقل على البريطانيين فإنني أحيلهم إلى الحكمة العربية الخالدة: «لو كان وارداً أن للعمل نهاية أو غاية لأوكلوه إلى مقاول». يعني نحن قوم واقعيون، ونعرف أن البشرية ظلت تعمل منذ فجر الخليقة، وستظل تعمل إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وبالتالي فإنه لا يقدم أو يؤخر كثيراً أن يحضر الموظفون إلى مواقع أعمالهم في المواعيد المحددة، بل إن عدم حضورهم إطلاقاً لن يؤدي إلى نهاية الكون… كما سبق لي الاعتراف مرارا، فعندما تزوجت كنت منتج برامج بالتلفزيون السوداني، ولضمان استمرار البرنامج الذي كنت أنتجه خلال عطلة الزواج، (من دون أخذ إذن بالعطلة) سجلت منه عدة حلقات، وقلت للجماعة باي باي.. وداعا للعنوسة .. و«عجبني الحال» فغبت عن العمل 3 أشهر متوالية، ولم يفتقدني رؤسائي في العمل او الجمهور.. وحزّ ذلك في نفسي، فحصلت على عمل في شركة أرامكو بالسعودية وسافرت الى هناك من دون إبلاغ إدارة التلفزيون بقراري، ولن استغرب إذا كان اسمي لا يزال مدرجا في كشوفات العاملين فيه.
ما عليكم: هوس البريطانيين بالمواعيد لا ينتهي عند العمل، بل إنهم يحسبون حياتهم الاجتماعية أيضاً بالثواني. الزوجة المتفرغة لأعمال البيت تحرم زوجها من الطعام إذا تأخر عن موعده بضع دقائق، والزوج يطلق زوجته إذا وضعت مولودها بعد سبعة أشهر من الحمل لأن ذلك يتعارض مع »التخطيط« والبرنامج الزمني المحدد واستقبال المولود. وبما أن البريطانيين يستطيعون دخول معظم بلدان العالم العربي من دون تأشيرة تأكيداً لـ«خصوصية العلاقات بيننا» فإنني أدعوهم إلى زيارة بلداننا لنيل دروس خصوصية في مسألة المواعيد: أقصى التزام بالمواعيد عندنا أن يقول الواحد لصاحبه سأزورك يوم الجمعة، ثم يزوره يوم السبت… وعندنا بالطبع بعض المتطرفين الذين يحاولون تقليد الغربيين في مسألة التقيد بالمواعيد فيقول لك الواحد منهم: سأزورك بعد صلاة العصر فتضطر إلى انتظاره من الثالثة عصراً إلى منتصف الليل، ولكن هذه النوعية قليلة ومنبوذة… يكفي عندنا أن تحدد «اليوم» سواء كان الأمر يتعلق بزيارة اجتماعية أو مهمة رسمية… ولهذا لا نؤاخذ حكوماتنا إذا قالت إن نسبة العاطلين عن العمل ستنخفض بنسبة 34,7% خلال خمس سنوات، وارتفعت تلك النسبة الى 43% بعد انقضاء السنوات الخمس.. ما فيها شيء.. خمس سنوات بالتوقيت العربي قد تعني 8 سنوات أو 19 سنة، فالوقت ببلاش والساعة تمشي والكرة الأرضية تدور سواء حسبنا الوقت أم لا.

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]