جعفر عباس

قطع غيار بالدولار

قطع غيار بالدولار
قرأت في صحيفة عن أن هناك شاباً عربيا غلباناً مزوداً بثلاث كلى/ كلاوي تعمل جميعها بكفاءة، وعلى نحو منفصل ولكن منسجم… اللهم لا حسد، اللهم زد وبارك، ولكن هذا الشاب رفض أن يبيع كلية لأحد الأثرياء العرب الذي أبدى استعداده لدفع الملايين! عندما قرأت كل ذلك قلت بصوت عالٍ «يدي الحلق للي مالوش ودان». يا بني أين التضامن العربي؟ والظفر الذي لا يطلع من اللحم؟ ثم ان المسألة فيها ملايين، والملايين «ملايين» سواء كانت بالليرة الإيطالية أو الدولار الزيمبابوي .. (بالمناسبة ففي زيمبابوي التي يحكمها روبرت موغابي القذافي أصغر عملة ورقية هي من فئة مليار دولار، وهناك أخرى من فئة تريليون دولار، ورغيف الخبز هناك قيمته عشرة مليارات دولار، وهو ما يساوي ربع قيمة الدولار الأخضر الأصلي).
جسم الإنسان عادة مزود بكليتين، ويقول الأطباء ان الإنسان يستطيع أن يعيش بنصف كلية، إذا تطلب الأمر استئصال كلية كاملة ونصف الأخرى، فماذا دهى صاحبنا؟ لو كانت لدي ثلاث كليات لما ترددت في فتح دكان في شارع أوكسفورد في لندن، وعرض الكلية الزائدة للبيع بالتقسيط المريح كي لا أضطر إلى إغلاق الدكان فور العثور على زبون، وكنت بذلك سأرفع رأس الأمة العربية عالياً في المحافل السوقية، فهناك دولة قطر بحالها التي اشترت محلات هارودز وأراحتنا من خطرفات صاحبها السابق محمد الفايد، وهناك كاتب هذه السطور صاحب «كلاوي رودز»، بل لن أمانع في بيع الكلية الإضافية مجزأة، يعني نصفها لزبون، وربعها لآخر، والربع الثاني هدية إلى هيئة الصحة العالمية لتجري عليه تجارب نووية للتدليل على أن شرب الماء المغشوش الذي تبيعه حكومات العالم الثالث لمواطنيها يحصن الكلية «بالحصاوي» بحيث يصعب على الميكروبات والفيروسات والإشعاعات اختراقها.
وبصراحة أكثر فإنني لا أمانع في بيع إحدى كليتي إذا وجدت زبوناً من ذوي الوزن الثقيل والعقل القليل. وبتفصيل أكثر أقول: انه إذا كانت كلية واحدة تكفي فلا بأس من الحصول على بضعة آلاف من الدولارات من بيع الأخرى، ووصفت من يشتري مني كلية بقلة العقل، لأن فتح بطني للتنقيب والبحث عن الكلية المطمورة تحت أطنان من الحصى والكثبان الرملية سيكلف مبالغ طائلة، وقد داعبت مرة أحد أصدقائي من الأطباء وطلبت منه أن يجد من يشتري عيني اليسرى لاستخدامها في زرع قرنية (باعتبار أن اليمنى ميئوس منها) فرد عليّ بقوله: إن مجرد قدرة عينيك على الإبصار يعتبر معجزة طبية إلهية، أصابني قوله هذا بغُصّة، وخاصة أنني ذهبت ذات مرة إلى بنك دم في بريطانيا للتبرع بالدم العربي الزكي الطاهر، فسألوني عن الأمراض التي أصبت بها فقلت عرضاً انني أصبت بالملاريا نحو عشرين مرة «فقط لا غير» فانفضوا من حولي وكأنني مصاب بالجرب، وتألمت لذلك، فأنا لم أرغب في التبرع بدمي المغشوش لاعتبارات إنسانية، بل لأنني أعاني من عقدة اسمها «رصيد بنكي»، يعني أحلم بأن يكون لدي رصيد غير قابل للسحب العشوائي في أحد البنوك، وأن أتمكن من إقراض أصدقائي المشمولين بآية الزكاة (وبعضهم يعمل في الإذاعات والتلفزيونات، تسمع أصواتهم تلعلع فتحسبهم أبناء عمومة بيل غيتس، بينما جيوبهم كفؤاد أم موسى!!). وبالطبع فإن دمي المتبرع به كان سيوزع كقروض وهبات على المرضى البريطانيين، الأمر الذي كان سيرضي غروري، ورغبات الاستعلاء الكامنة في تلافيف عقلي الباطن والظاهر. وبما أن الطب الحديث قد اتخذ «موقفاً» ضدي يمنعني من استثمار قطع الغيار التي زودني بها الخالق، فإنني لا أملك سوى التطوع بنصح أبناء العروبة بعدم التردد في بيع الفوائض من أجزاء أجسامهم، فليس في العالم العربي ما يستحق أن يرى بأكثر من عين واحدة. بل ان نصف مخ يكفي لأن كمال العقل يودي إلى التهلكة!!.

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]