جعفر عباس

الطبيب أم العلف؟


الطبيب أم العلف؟
يبدو أن الباحثين الطبيين أصيبوا بلوثة عقلية، فقد أفتوا أخيراً بأن الشوكولاتة مفيدة، لأن فيها عنصراً يساعد على خفض نسبة الكولسترول في الدم، ووجه الغرابة هنا هو أن الأطباء لم يعوّدونا على «الكلام الحلو»، فقد كرسوا معرفتهم بالعلوم الطبية لحرماننا من جميع ما تشتهي النفس: السكر (بفتح الكاف المشددة) مضرّ بالصحة، التبغ يسبب السرطان، اللحم يسبب النقرس أو داء الملوك، الملح يرفع ضغط الدم، الراحة تسبب الترهل والتكرش، وبالمقابل فإنهم يحثوننا على تعاطي أشياء تعافها النفس السوية، فينصحوننا مثلاً بالإكثار من أكل الخس، تلك النبتة البلهاء التي لا طعم لها ولا رائحة، والتي تنمو أوراقها وتتشكل عند نقطة واحدة مما يدل على أنها تعاني من قصور عقلي وفكري، ويشجعوننا على أكل الخيار، في حين أن أفضل طريقة للتعامل مع الخيار هي أن يغسل جيداً، ثم تزال قشرته الخضراء، ويغمس في الخل والملح قبل رميه في سلة القمامة حتى يكون عظة لمن يعتبر. والأدهى من ذلك أن الأطباء ينصحوننا بممارسة الرياضة في وقت الفراغ، هل هذا «كلام»؟ الرياضة تؤدي إلى الإرهاق والإجهاد، ولا يمكن بالتالي أن تكون مفيدة للإنسان العاقل البالغ! الرياضة مفيدة فقط لمحترفيها لأنها تعود عليهم ببعض المال، ولا أرى داعياً لانجرار البعض وراء نصائح الأطباء المضلّلة ليقوموا بشراء ملابس رياضية من جيوبهم الخاصة، ليجروا بها في الشوارع وكأنّ بهم مسّا من الشيطان، «بعدين» لماذا لا يستفيد الإنسان من وقت الفراغ في أداء عمل إضافي يزيد به دخله المالي بدلاً من إضاعته في تبديد طاقته فيما لا طائل من ورائه؟
ما لهم الأطباء وما نأكل وما نشرب؟ لماذا يمنعونني من أكل اللحم بزعم أنني قد أصاب بالنقرس، وهو داء الملوك؟ هل كتب على أمثالي أن يعانوا فقط من الإمساك والبواسير ودوالي الساقين؟ لماذا يحرمونني من الارتقاء الطبقي حتى ولو يأتي ذلك من الإصابة بداء الملوك؟ والغريب في الأمر أن الأطباء يصفون لك الدواء الناجع ثم «يرجعون في كلامهم»… لعشرات السنين كان الأسبرين أداة الردع في مواجهة آلام الرأس والمفاصل والأسنان والشعر والأظافر، وما أن اكتسب شعبية كاسحة حتى أحس الأطباء بالغيرة واتهموا الأسبرين بأنه يسبب القرحة والحول والمناخوليا، وشرعوا في التغزل بمحاسن الباراسيتمول، حتى انخدعت به شعوب العالم وأصبحت تتعاطاه بديلا للحلوى، فاشتعلت الغيرة مجدّدا، وزعموا أن الباراسيتمول مضرّ بالكبد والكلى وفتحة الأنف اليسرى، وكي لا تنكشف ألاعيبهم قاموا بردّ الاعتبار إلى الإسبرين وقالوا انه يقلل من مخاطر الإصابة بالجلطة وأمراض الأوعية الدموية.
آخر صيحة في العالم الغربي، هو ما يسمى الطب البديل، ويعني في جانب منه التداوي بما تنتجه الطبيعة وعدم اللجوء إلى الأدوية الكيميائية، وقد كنت طوال عمري من أنصار التداوي بالعلف المسمى الأعشاب الطبية، أفعل ذلك سرّاً لأن الناس كانوا يسمون ذلك تخلفاً… لدينا في السودان نبات اسمه الحرجل يداوي منقوعه آلام الجهاز الهضمي وأوجاع العادة الشهرية عند النساء، ونستخدمه لتقصي ما إذا كان الطفل مصاباً بالحصبة أم لا،.. فبمجرد تبخير الطفل بفروع الحرجل الجافة تطفح الحبيبات إلى جلده، إذا كانت الإصابة «حصبة»… وفي شمال الجزيرة العربية اكتشف الناس أن للميرامية مفعول السحر، ولا شك عندي في أن هناك أعداداً وكميات كبيرة من الأعلاف والحشائش التي تنمو في بلداننا تتمتع بخاصيات طبية، وأسأل الله ألا تكون الملوخية من بين تلك الأعلاف الطبية، والمطلوب هو أن نعود إلى ممارسة الطب البدائي (البديل عند الغرب الاستعماري) حتى يكف الأطباء عن ترويعنا وتخويفنا بالدرجة التي باتوا فيها يتحدثون عن مساوئ البيرغر متناسين أن البيرغر هذا هو الصلة الوحيدة بين أمتنا والقرن الواحد والعشرين.

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]