الطاهر ساتي

أيتها التجارة الخارجية ..(القصة ما قصة كحول)

أيتها التجارة الخارجية ..(القصة ما قصة كحول)
كان فقيرا وكسولا، ومع ذلك مدعيا ومتنطعا..عاد ذات مساء الى داره وبيده وتد من أصلب أنواع الحديد، وبعد أن تعشى وتمطى على فراشه، قال لزوجته:(الليلة اشتريت الوتد ده، لأني خلاص فكرت اشتري حمار)..فسخرت منه زوجته، وليتها سكتت، بل خاطبته: (تمام والله، على كدة بمشي بيت أبوي بحمارتك بدل الكداري)..فصاح فيها بغضب: انتي مجنونة ولا شنو؟ كيف تركبي حمارة حامل ؟..قبل أن ترد، ضربها بالوتد على رأسها حتى أغمي عليها..في محفر الشرطة وجد الشرطي أن الحمار التي هما اختلفا في امتطائها – حتى سالت دماء أحدهما – هي محض حلم، أي ليس في الواقع غير(الوتد)!!
** تلك إحدى حكايات جدتي، عليها رحمة الله. وهي ذات مغزى، ستجد مغزاها بين أسطر الحكاية التالية ..البرلمان يسأل الدكتور جلال يوسف الدقير، وزير التجارة الخارجية، حول موقف السودان من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، فبدلا عن توضيح أسباب التلكؤ لنواب البرلمان، طمأنهم الوزير قائلا: (لن نسمح بإدخال المشروبات الروحية – خاصة البيرة والويسكي – حال انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية)..هكذا رد جلال الدقير، ولم تستوقفني تلك الجملة الاعتراضية (خاصة البيرة والويسكي)، رغم أنها توحي بأن هناك أخريات – الفودكا والكونياك وغيرها – لن تمانع الحكومة أو لن تتشدد في منعها..تلك الجملة الاعتراضية – بما فيها من ويسكي وبيرة وغيرها – ليست ذات قيمة، وقيمتها – إن وجدت – أمام قضية كهذه كما قيمة ذاك الوتد الذي اتخذه بطل قصتنا تلك مدخلا لشراء الحمار.. بمعنى، يجب على الدقير – وحكومته – إدخال السودان في منظومة دول التجارة الخارجية أولا، ثم لاحقا عليه إصدار القرار الذي يمنع إدخال الكحول،(خاصة البيرة والويسكي) ..فأنت لم تضع الحصان أمام العربة بعد يا سيدي الوزير، ولذلك ليس من المنطق أن تلوح لنواب البرلمان – والرأي العام – بوتد الحصان، في محاولة لإقناعهم بأنك تمضي بالسودان نحو منظمة التجارة العالمية..!!
** للانضمام الى منظمة التجارة العالمية شروط، كان على الدقير أن يخاطب بها نواب البرلمان، ليعلموا الأسباب الحقيقية التي تعيق انضمام السودان.. نظرية المؤامرة التي يلوح بها الدقير – وغيره – غير مجدية في قضية كهذه، وتلك نظرية بمثابة غطاء تغطي بها الحكومة عجزها عن استيفاء تلك الشروط.. تقديم جدول يحتوي على تعرفات جمركية ملزمة ولا يمكن رفعها إلا في حالات خاصة، من شروط الانضمام، فهل قدمت التجارة الخارجية – أوالمفوضية التي تم تأسيسها لهذا الأمر – ذاك الجدول؟..هكذا كان يجب أن يكون سؤال النواب ..ولك أن تعلم يا عزيزي النائب أن هناك مفوضية ذات ميزانية – منذ عقد ونيف – مهمتها التفاوض مع المنظمة العالمية حول انضمام السودان، وفودها أرهقوا عمال فنادق جنيف، وقبلهم أرهقوا خزينة الشعب السوداني، ومع ذلك لم تثمر جولاتهم ومفاوضاتهم إلا المزيد من إهدار المال العام والمزيد من التخدير والتضليل الذي من شاكلة: (لن نسمح بإدخال الكحول)..!!
** ثم .. تقديم قائمة تحدد فيه الدولة الحواجز التي تعترض القطاعات الخدمية والمهنية، مع وضع جدول زمني لإزالة تلك الحواجز، من شروط الانضمام لتلك المنظمة، فهل قدمت الدولة السودانية تلك القائمة وذاك الجدول الزمني ؟.. أوهكذا كان يجب أن يسأل البرلمان، لكي لا تخدرهم وزارة التجارة بتلك الكحول، وكأن التوجس منها هو الذي يعيق الانضمام..فالمعيقات الحقيقية في النهج الاقتصادي يا سادة يا كرام، فليس هناك من داع لتخدير العقول بالتنطع والمزايدة..بالمناسبة، اليمن قاب قوسين أو أدنى من الانضمام لهذه المنظمة، وقد تعلن المنظمة انضمامها قبل نهاية هذا العام، حيث استوفت كل الشروط الاقتصادية المطلوبة..نعم اليمن.. ولا تندهشوا، إذ ليست بها شركات حكومية استعصى أمر حصرها حتى على البرلمان، أو كما الحال هنا

إليكم .. السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]