هنادي محمد عبد المجيد
أبو تراب”3″
ويوم الخندق لما ضربه عمرو بن ود على رأسه كانت الدماء تسيل على وجهه الشريف ، فقام رسول الله ص يشد جرحه ويقول له : {أين أنا يوم يضربك أشقى الآخرين على رأسك ويخضب لحيتك من دم رأسك ؟؟} وخطب رسول الله ص في آخر جمعة من شهر شعبان وذكر ما يتعلق بشهر رمضان ، فقام علي رضي الله عنه وقال : ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال :{يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزوجل }، ثم بكى النبي فقال علي رضي الله عنه : ما يبكيك ؟ فقال :{ يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر ! كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك ،} فقال اللإمام علي : وذلك في سلامة ديني ؟ فقال ص : {في سلامة دينك }
وكان سيدنا علي كثيرا ما يخبر الناس بشهادته واختضاب لحيته الكريمة دم رأسه ، وحينما أتاه عبد الرحمن بن ملجم ليبايعه نظر علي في وجهه طويلا ، ثم قال : أرأيتك إن سألتك عن شئ وعندك منه علم هل أنت مخبر عنه ؟ قال نعم : وحلفه عليه ، فقال : أكنت تواضع الغلمان وتقوم عليهم وكنت إذا جئت فرأوك من بعيد ؟ قالوا : قد جاءنا ابن راعية الكلاب ؟ فقال اللهم نعم
فقال له : مررت برجل وقد صرت يافعا فنظر إليك نظرا حادا فقال : أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ قال نعم ، قال قد أخبرتك أمك انها حملت بك في بعض حيضها ؟ فتعتع هنيهة ثم قال : نعم ، فقال الإمام : قم . فقام ، قال رضي الله عنه : سمعت رسول الله ص يقول { قاتلك شبه اليهودي بل هو يهودي } وقد تكرر منه رضي الله عنه أنه رأى ابن ملجم فقال : أريد حياته ويريد قتلي ،
وفي تلك السنة الأخيرة من حياته والشهر الأخير من حياته كان يخبر الناس بشهادته فيقول : ألا وإنكم حاجون صفا واحدا ، وآية ذلك أني لست فيكم ، فعلم الناس أنه ينعي نفسه .
أخبرت أم كلثوم ابنة سيدنا علي أنه في ليلة استشهاده كان قائما قاعدا راكعا ساجدا ثم يخرج ساعة بعد ساعة يقلب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول : والله ما كذبت ولا كذذبت ، وإنها الليلة التي وعدت بها ، ثم يعود إلى مصلاه ويقول : اللهم بارك لي في الموت اللهم بارك لي في لقائك . وكنت أمشي خلفه فلما سمعته يقول ذلك قلت : واغوثاه يا ابت أراك تنعي نفسك منذ الليلة،،قال يا بنية ماهو بنعاء ولكنها دلالات وعلامات للموت يتبع بعضها بعضا فامسكي عن الجواب. وخرج سيدنا علي ليؤذن في الناس لصلاة الفجر ، وفي ذات الوقت كان عبد الرحمن بن ملجم يجهز نفسه في المسجد وتحت إزاره سيفه ،، وما أن رفع الإمام علي رأسه من السجود حتى باغته بضربة على رأسه الشريف فوقعت الضربة على مكان الضربة التي ضربه عمرو بن ود ، فوقع الإمام على وجهه قائلا : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، وأخذ يصيح ليمسكوا القاتل كيلا يشتبه الناس بغيره فيقتلون البرئ ،، حتى جاء الحسن مسرعا فقال الحسن : الحمد لله الذي نصر وليه وخذل عدوه وانكب على والده باكيا يقبله ، ففتح الإمام علي عينيه وهو يقول : إرفقوا بي يا ملائكة ربي ، فقال له الحسن : هو عدو الله وعدوك ابن ملجم قد امكن الله منه وقد حضر بين يديك ، ففتح أمير المؤمنين عينيه ونظر إليه وهو مكتوف وسيفه معلق في عنقه ، وقال له في إنكسار صوت ورأفة ورحمة : يا هذا لقد جئت شيئا عظيما ، وخطبا جسيما ، أبئس الإمام كنت لك حتى جازيتني هذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقا عليك وآثرتك على غيرك وأحسنت إليك وزدت في عطائك ؟ألم أكن يقال لي فيك كذا وكذا ، فخليت لك السبيل ومنحتك عطائي ؟ وقد كنت أعلم أنك قاتلي لا محالة ولكن رجوت بذلك الإستظهار من الله تعالى عليك فغلبت عليك شقوتك فقتلتني ياشقي الأشقياء ؟ فدمعت عينا ابن ملجم وقال : ياأمير المؤمنين : أفأنت تنقذ من في النار ؟ قال علي صدقت والتفت إلى ولده الحسن رضي الله عنه وقال له : إرفق ياولدي بأسيرك ، وارحمه وأحسن إليه ، واشفق عليه ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه وقلبه يرجف خوفا وفزعا ؟ فقال له الحسن : يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجروأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به ؟ فقال سيدنا علي : نعم يا بني نحن أهل البيت لا نزداد على الذنب إلا كرما وعفوا ! والرحمة والشفقة من شيمتنا ! بحقي عليك فأطعمه يابني مما تأكله ! واسقه مما تشرب ! ولا تقيد له قدما ولا تغل له يدا ! فإن أنا مت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة ولا تحرقه بالنار ولا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله ص يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، وإن أنا عشت فأنا أولى به بالعفو عنه وأنا أعلم بما أفعل !
هل سيدنا علي إنسان عادي ؟! من يستطيع أن يكون بهذا الكم من المروءة والرأفة واللين والرحمة سوى ربيب رسول الله ؟ أول من يرد الحوض وأول من يدخل الجنة ؟ كان سيدنا علي دائم الشكوى لرسول الله ص من كثرة الحسد ، فكان ص يقول له { وكيف لا يحسدونك ؟ وأنت أول من يرد الحوض ويدخل الجنة وعن يمينه أزواجه وعن يساره أبناؤه ؟ } سبحان الله والحمد لله .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]