عبد اللطيف البوني

إنهم يأكلون مما يليهم


إنهم يأكلون مما يليهم
معظمنا إن لم أقل كلنا سمع قصة الأحمق الذي دعا الله قائلا (اللهم أمطر السماء ذهبا على آل فلان حتى يستأجروني لكي أجمعه لهم) فوجه الحماقة هنا أنه كان يمكن أن يدعو الله أن يُمطر السماء عليه مباشرة . لكن إذا غصنا في نفسية هذا الإنسان اليائس ربما نجد له العذر لأنه اعتاد على السخرة لدرجة ظن أنه قد خلق ليكون مأجورا، لذلك ضمر خياله وضمرت طموحاته لا بل ضمر فهمه حتى للمشيئة الإلهية، وبالتالي يمكن أن يكون من الذين رفع عنهم القلم لقصور في عقله، أي أصبح متخلفا.
أما مناسبة هذه الرمية فهي أنه تعتريني لحظات يأس عندما أتأمل أحوال البشرية, كافة البشرية محليا وإقليميما ودوليا، إذ يبدو أن هذا العالم لن ينفك إلى يوم يبعثون من حكم الحرامية والأنانيين أصحاب المنافع الخاصة وأصحاب العقد النفسية الذين يريدون عن طريق الحكم أن ينفسوا عن عقدهم وعاهاتهم النفسية. وهناك مدرسة من مدارس علم النفس السياسي الأمريكي تذهب إلى هذا المنحى إذ أنها تقول إن متاعب وآلام العملية السياسية لن يتحملها إلا أصحاب العقد النفسية الذين يجدون في بريق المناصب السياسية دواء وتعويضا لنقصهم، بمعنى آخر أن أي إنسان سوي ومتوازن نفسيا لن تكون له أي تطلعات سياسية.
عودة إلى موضوعنا وإن لم نخرج وهو تحكم أصحاب المصالح الخاصة في الشأن العام إذ يبدو أن الفرق بين الذين ابتلي بهم العالم الثالث والعالم الأول هو أن الأخيرين أي حرامية العالم الأول أذكياء وخيالهم واسع ونفوسهم كبيرة بينما حرامية العالم الثالث أغبياء وخيالهم ضامر ونفوسهم صغيرة فالواحد منهم مستعد أن يبيع كل بلاده من أجل منفعة خاصة جدا ثم يكتوي هو شخصيا بما باع وبالتالي يصبح نيرونا ناعما يحرق روماه بدم بارد ويجلس على تلها دون أن يدري أنه كان السبب في كل هذا الخراب فهو لا يدري أن المراويد تهد جبل الكحل.
طيب, خلونا نطلع شوية من التجريد ونضرب مثل مجرد مثل بالقائمين على أمر الزراعة في السودان وتحديدا في المشاريع المروية من شاكلة بعض الإداريين وبعض ممثلي المزارعين أقصد اتحادات المزارعين وبعض المشتغلين في المدخلات الزراعية وبعض متخذي القرار المتعلق بالزراعة، يا جماعة الخير (بعض) دي مهمة جدا جدا (شفتو الرجالة دي كيف؟) هذا (البعض) نفسه ساقطة لا يعمل على زيادة المنتج الزراعي ثم يسرق منه إنما يريد أن يسرق منذ مرحلة مبكرة من مرحلة المدخلات من الحرث فبدلا من أن يكون العمق 18 سنتمترا يجعله 14 ومن نوعية التواريب ومن تركيز المبيد ومن أسعار السماد ونوعيته وأسعار الخيش نوعيته والآليات المستعملة والذي منه فينخفض الإنتاج فيخسر المزارع وتخسر البلاد بينما يفوز هو بحفنة دولارات أو عدة سفريات على حساب الشركات الراشية أو بناء منزل أو حاجات تانية حامياني.
كان الأوفق أن يعمل المذكور أعلاه على أن تكون كل المدخلات من أجود ما يكون وبأحسن الأسعار ويرتفع الإنتاج ثم يسرق في المباع مثل فرق السعر وبالتالي تستفيد البلاد ويقل الضرر الواقع على المزارع ويسرق هو سرقته. إن عملية السرقات التي تتم في مراحل ما قبل الحصاد سببها هو تقسيم العمل الحادث الآن فالذي يعمل في الحراثة غير الذي يعمل في التواريب والذي يعمل في التواريب غير الذي يعمل في المبيدات والذي يعمل في التسويق منفصل عنهم لذلك يريد كل واحد منهم أن يضرب ضربته وفي العملية المسئول عنها، أي يأكل مما يليه، فالحل العاجل هو أن يكون المزارع قادرا على شراء مدخلات إنتاجه من سوق الله أكبر بتمويل ذاتي أو من البنك أو من الدولة. إلى حين ذلك فلندعو الله قائلين “اللهم ابتلينا بحرامية تفتيحة يأكلون من المحصول أي المنتج النهائي وليس من المدخلات”. ونذكر القارئ أننا أخذنا الزراعة كمثال فقط ونواصل غدا إن شاء الله

حاطب ليل – السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]