صلاح شكوكو

مقال بعنوان ( مابصح ليك تعمل كدا )


مابصح ليك تعمل كدا
في أحايين كثيرة تكون الأفكار جزء من التيار العارم الذي يمر بالمنطقة حتى تصبح هذه الأفكار مفاهيم يعتنقها الناس.. ولو حاولت أن تقف في وجه هذا التيار فإنك ستكون كمن يناطح الهول.. والحقيقة أنك حينها ربما تكون بالمناطحة بطلا لفترة وجيزة، لكن سرعان ما سيطويك النسيان وتصبح نسيا منسيا.

ولأن الأندية عندنا لا تعرف الإستثمار الرياضي فإن الإستثمار فيها يكون محصورا في مواعين بعينها أهمها العنصر البشري ، وهو عادة لا يحتاج الى كثير عناء فيكون جهدها كامنا في الإعداد المحدود الذي تقوم به الأندية عبر جاهزيتها العامة، لذا يصبح اللاعب في هذه الأندية له قيمة شخصية وقيمة متعدية لناديه الذي قام بتأهيله حتى وصل الى درجة أن يكون (مطلوبا) من قبل الآخرين.

في هذه الحالة يُشكل اللاعب بقيمته الآنية مصدر للثروة لنفسه وناديه.. خاصة إذا ما كان النادي قادرا على التعويض والتجديد المستمر، وبهذا المعيار يكون النادي خير مؤهل لللاعبين، مما يجعل اللاعبين يرغبون في الإنضمام إليه لميزة العرض والطلب والترقى الجميل.

فالمتأمل لقضية الموردة مع لاعبيها سيشهد لونا من التمترس الذي لا يستند الى أسانيد قوية، ذلك أن الرياضة في كلياتها أصبحت شأنا مرتبطا بالقدرة المالية الى حد بعيد، ونادي الموردة كشأن الأندية التالية بعد القمة، يحتاج في مقارعته التنافسية الى المال للتسيير والإعداد.

من حق الموردة أن تتحدث عن القيم والمورثات، لكن هذه القيم تترسخ بالممارسة وتقوى بالتحولات الجديدة حتى تصبح عُرفا يقتاد الناس بتلقائية، لكن الشاهد أن حركة تنقلات اللاعبين وبيعهم أصبحت تتجه في كلياتها نحو التحرر وليس الإنغلاق مما يحتم على أهل الموردة أن يكونوا واقعيين، دون أن يمارسوا لونا من السباحة عكس التيار.

والمتأمل للدنيا كلها وللأندية العالمية الكبيرة، يجد أن بيع اللاعبين قد أصبح إستثمارا من أنجح الإستثمارات الرياضية ولا يعاب بذلك أحد، مما يعني أنها ممارسة لا تصطدم مع القيم والموروثات، بل أصبح البيع والشراء جزءا داعما للممارسة الرياضية وحركتها.

ولا أحد يستطيع أن يزايد على عراقة الموردة، ولا أحد يستطيع أن ينال من تاريخ الموردة، ولن يكون البيع منقصة لها ولا خصما عليها، لكن هذا التاريخ يجب أن لا يتصادم مع الوقائع الموضوعية، لأن أي تضاد في هذا سيجعل الناس يصفون هذا الجنوح والتطرف بأنه ضرب من التخلف عن مسايرة الواقع، فلو كنا سنخسر اللاعبين حتما، كان لزاما أن يكون التسريح جميلا.

وما يحدث في نادي الموردة الآن هو بكل المعايير صراع بين المعتنقين لمفاهيم الإستنارة والمكبلين بقيود التاريخ، خاصة وأن هذا الصراع قد بدأ جليا في حقبة أخينا الفقيد عزالدين الصبابي (له الرحمة) حينما كان سكرتيرا للنادي، مما جعله يغادر النادي ودنياواتنا وهو أكثر يقينا بفكر الإحلال الواعي وهزيمة المورث الذي يكبل الناس.

ليس المهم لمن نبيع لاعبينا لكن الفكرة أن يكون البيع والشراء جزءا من الممارسة الطبيعية في النادي وعدم ربطها بالقيم والمورثات والتاريخ، لأنها أصبحت جزءا من الممارسة في صفحات اليوم.. خاصة وأن اللاعب سينتقل شئنا أم أبينا ودون أن نجني من وراءه كسب غرسنا فيه.

لكن المشكلة الأنكأ في الموردة هي الوصم، فكل من يتحدث عن البيع يمكن أن يوصم بأنه (خائن) أو أنه (قشرة) وقد قيلت من قبل لأطهر الرجال وأصدقهم سريرة وسريرة، لذا لا نود للتاريخ أن يستغرقنا حتى يغرقنا.. لكن المطلوب أن نكون مرنين الى أقصى درجات المرونة التي تجعلنا نفيد ونستفيد من معطيات جهودنا في الناس.

خاصة وأن لأهل الموردة ميزة نسبية هي مقدرتهم على الإصطفاء وإنتقاء المواهب وهذه ربما لا تتوفر للآخرين، وهذه تعتبر ميزة تفضيلية تجعلهم متنفردين عن الآخرين، وبهذه المقدرت الإستكشافية عبر التنقيب عن المواهب وإعدادهم تستطيع الموردة أن تدر لمسيرتها المواهب والمال في حركة مستمرة.. فتظل الموردة قادرة على الإستمرار بعراقتها في سماوات الرياضة السودانية.

والشاهد أن معظم مجلس إدارة النادي وقف هذه المرة مع رابطة مشجعي الموردة، وربما فعلوا ذلك لأن الرابطة هي الضاغط الأوحد عبر الجمعيات العمومية، لكن أهل (مكة) هم أكثر إحساسا برمضاء رمضان، بينما أهل (السكا) يطلبونالشمس طلبا، لذا يجب أن ندرك أن اللحظة التي نحن فيها ستصبح غدا جزءا من التاريخ وقتها لن يرحمنا التاريخ إن لم نحسن التطلع نحوه والمستقبل.. فإن كانت الرابطة قادرة على حشد المال فتلك فيصيلة تقتضي عدم البيع، وإلا فإننا سنكون أمام إستمساك حميّة لا يستند على حكمة.

أنا لا أعرف اللاعبين المراد بيعهم .. ولا أعرف الأندية لتي تريدهم.. لكنني أتحدث عن معيار عام في حركة اللاعبين في ظل حاجة ماسة للمال، لأن من نرفض بيعهم الآن سينتقلون منا في الغد شئنا أم أبينا، وبهذا المعيار تكون الإفادة والإستفادة مقدمة على ما سواها، أما القيم والموروثات فإنها إن لم تفيد النادي ويجب أن لا تكون خصما عليه.

نصيحتي للتيار القابض على جمر المورثات العتيقة، أن يتحرروا من كل المكبلات القديمة، وأن يصوبوا النظر نحو المدى البعيد وأن لا يكونوا محدقين في التاريخ، فقد إنتهى عصر تكبيل اللاعبين في أوتاد اللحظة بحجة الولاء واللون والمسمى، وفي ذلك يقول المثل الإنجليزي:-
(Keep your face to the sunshine and you will never see the shadow)

فقد إنتهى أوان الجغرافيا الرياضية وأصبح اللاعب بلاوطن رياضي.. فاللاعب مدرك أن حاله موقوت بأوان منقضي، فإن تراخي فاته الكسب وإن إغتنم غنم فأفاد وإستفاد، وبعدها تصبح اللحظة جزء من التاريخ،,وقد قيل قديما:- (يامن محاسنك بي قلوب العاشقين مستفردة.. أصلك بتدلل علي والا الحكاية معاندة.. وياجميل مابصح ليك تعمل كدا..) ونخشى أن يضيعهم أهل الموردة.

التحية لكل الذين مروا بالموردة.. والتحية لتاريخها الناصع.. ونأمل أن يظل التاريخ عندهم وضيئا.
…………………..
ملء السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهن شوامخ …………………..
صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)
[email]shococo@hotmail.com[/email]