عبد اللطيف البوني

دعوها لجيش البلاد


دعوها لجيش البلاد

جبال النوبة قبل أن تكون ولاية جنوب كردفان كانت العتبة الأولى التي أدت إلى نيفاشا، فالقس دانفورث عراب اتفاقية جبال النوبة 2002 صممها لتكون نموذجا لما سيكون عليه سلام الجنوب فكانت نيفاشا؛ لذلك يحق للبعض أن يظن أن عودة الحرب للجبال تعني عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل نيفاشا على طريقة أن السلام دخل من هنا وسيخرج من هنا ولكن من تاريخ اتفاقية جبال النوبة إلى اليوم مرت مياه كثيرة تحت الجسر ولعل أهمها ظهور دولة مستقلة في جنوب السودان، ولكن المشكلة أن هذه الدولة الجديدة لديها جيش يرجع له الفضل في استقلالها لم يعد تابعا لها إنما لديه جنسية بلد آخر وهذا البلد الآخر لا يقبل وجود جيش آخر غير جيشه الوطني ومن هنا أتى التعقيد. اتفاقية نيفاشا واضحة في هذا الأمر فهي تنص على أنه في حالة اختيار الجنوبيين للانفصال فإن قوات الجبال وجنوب النيل الأزرق مصيرها الدمج في جيش الشمال الوطني أو التسريح وهنا ظهرت مشكلة أخرى وهي: هل هذا الدمج وذاك التسريح يكون قبل المشورة الشعبية أم بعدها؟ مالك عقار وقطاع الشمال يقولون بعدها أما الخرطوم فتقول المهم أن يكون قبل التاسع من السابع أي قبل إعلان الاستقلال كما تنص الاتفاقية
الكوماندر عبد العزيز الحلو لم ينتظر نتيجة الجدل حول التعقيدات أعلاه بل قرر إشعال المنطقة ليضع حتى أعضاء حركته أمام الأمر الواقع وبالتالي فتح الفرصة لظهور أجندات أخرى من ضمنها أجندة الخرطوم بنزع سلاح الحركة الشعبية في الشمال ثم أجندة أبناء أبيي بتوسيع دائرة الحرب لتكون أبيي مكان مقايضة وربما أجندة جوبا وهي إشعال الشمال مثلما أن الجنوب يشتعل بتمردات جانبية وهناك أجندات اقليمية ودولية كوضع اليوناميس تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ثم حظر الطيران ثم المزيد من التدخل، وهناك أجندات دارفورية، وهكذا أصبحت حرب جنوب كردفان مثل جراب الحاوي مليئ بالسواهي والدواهي والأجندات المتقاطعة وبهذا تكون قد فتحت الباب لاحتمالات لا تستطيع جهة واحدة التحكم فيها .
قبل أن يخرج لنا من جراب الحاوي أعلاه ما أشرنا إليه وما لم نشر إليه فإن ما تقوم به الحكومة الآن هو عين المطلوب منها أي فرض هيبة الدولة والقضاء على أي تفلت أمني وبواسطة القوات النظامية فهي الجهة التي ينبغي أن تكون محتكرة للقوة ودون شك هي القادرة على فرض سيادة الدولة على أراضيها فالمواطن السوداني ثقته في جيش البلاد الوطني لا حدود لها وهذه الثقة هي الزاد الذي يتزود به الجيش والأهم من كل ذلك أن الجيش السوداني له تجارب ثرة وناجحة في حسم التفلتات.
ولكن يبقى في النهاية أن الحل بالضرورة يجب أن يكون سياسيا لأن الإشكال إشكال سياسي لذلك على الحكومة أن تسعى للحل السياسي بكل ما تملك من دبلوماسية وأدوات تفاوض وهذا يبدأ بأبناء الجبال، فالواضح أن معظمهم لم يطلع الجبل مع الحلو ؛ عليه يكون من الخطأ التعامل مع أبناء النوبة كمتمردين لا بل هناك قطاع مقدر في الحركة الشعبية رافض لما فعله الحلو. خلاصة قولنا هنا أن على مؤسسات الدولة الرسمية لا أي جهة أخرى غيرها التعامل مع هذه الأحداث ولنحذر من العقاب على الهوية . اللهم احفظ السودان بشقيه وأهله .

حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]