جعفر عباس

الكتاب الذي سيهز الوز


الكتاب الذي سيهز الوز
في مدينة كوستي المطلة على النيل الأبيض في وسط السودان القديم وجنوب سودان ما بعد التقسيم، كانت هناك عربة كارو يجرها حصان أجرب، ويقف فوق سطح الكارو شاب ممسكا ببوق من الصفيح، ويعلن الفيلم المعروض في كل ليلة في دار السينما الوحيدة بالمدينة، وكان يحس بالزهو، وتخرج الكلمات من فمه وكأنه عبد الناصر زمانه (مع ان عبد الناصر الأصلي كان ملء السمع والبصر وقتها).. يضع البوق على فمه ويصرخ: يا سكان كوستي وما جاورها (ولم يكن يخرج بالكارو الى حيث يقيم «ما جاورها» بل كان يفترض في سكان «ما جاور» كوستي أن يسمعوا ما يقوله وهم هناك في قراهم).. وكان كل فيلم يروج له يحظى بعبارة: الفيلم الذي طالما تحدى مشاعركم واستولى على همومكم، ولم يخطر بباله قط أنه لا يجوز عرض فيلم يتحدى مشاعر الناس.
وأود أن أبشِّر القراء العرب بقرب صدور النسخة العربية من الكتاب الذي يتحدى مشاعرهم ويستولي على همومهم، وهو من تأليف المفكرة الرزينة دينا وعنوانه «حريتي في الرقص»، فالنسخة الفرنسية من الكتاب مطروحة سلفا، ومن ثم فقد قررت الالتحاق بمعهد لتعلم الفرنسية حتى أستمتع بسيرة دينا العطرة، وخاصة أنها صرحت بأن الكتاب يتناول علاقتها بـ «أزواجها»، ولا شك في أننا رجالا ونساء سنستفيد من خبراتها في مجال الزواج بالجملة، كما استفاد البعض من كيفية الترويج لعلاقات الفراش بين الزوجين بالفيديو (ولعل بعضكم يذكر الفيديو الشهير لدينا مع أحد بعاليلها ؟ جمع تكسير لكلمة بعل وتستخدم فقط عندما يكون البعل من فصيلة الرجال المهابيل الهلاهيل)، وكما يوحي عنوان الكتاب فإن حرية الرقص حق ينبغي ان يكفله الدستور لكل فتاة ذات تضاريس بيولوجية مطابقة للمواصفات الديناوية والفيفي عبدوية، ولعلها أيضا أسمت الكتاب «حريتي في الرقص»، لأن هناك من انتقدها بعد ان رقصت في الشارع أمام احدى دور السينما، وساد هرج ومرج استوجب تدخل الشرطة لمنع اضطراب حركة المرور، ويقال إن دينا فعلت ذلك بعد أدائها فريضة الحج، ربما لتطمئن «جماهيرها» بأن نيلها لقب «حاجة» لن يحول دون «التحامها» بالجماهير.
وفي تصريحات صحفية مؤخرا أبدت دينا قلقا على مصير الرقص الشرقي ووصفته بأنه على «مفترق طرق»، وأعربت عن خشيتها من أن مناخ الثورة الشعبية التي أطاحت بالطغمة المباركية، قد يؤثر على سوق الرقص.. ما تخافيش يا دندون.. وراكِ.. وتحت رجليك رجالة.. إنت بس تأشر يا جميل فيأتونك طيرانا ضاربين أكباد البوينغ والإيرباص، ويفرشون تحت أقدامك الدنانير والدلالير، فجمهور الرقص الشرقي لا يريد «تغيير النظام»، بل يريد كل شيء كما كان.. على مسؤوليتي جهزي بدلاتك وشخاشيخك وحتشوفي الجيوب تخشخش إزاي، ولن تحتاجيا الى الهجرة الى إيطاليا كما ألمحت في تصريحات الأخيرة بعد عودتك من تدريب 1400 راقصة هناك.. بعدين ، وما تزعليش مني يا ديندون، تدريب الخواجيات على الرقص الشرقي سيسحب البساط من تحت أقدامك أنت وزميلات المهنة، وخاصة أن معظمهن من أخوات «كان» يعني راحت عليهم أو «على الوشك».. انظري عدد الزبائن الذين خانوا العشرة وصاروا يتحلقون حول الراقصات الروسيات، ولو دخلت الإيطاليات سوق الرقص بتاعنا، فستروحين أنت وفيفي وطيطي وزيطي في الباي باي، ويخطف منا الأوروبيون رقصة هز يا وز كما سرقوا الشاورما والفلافل والحمص.. ويضطر جماعتنا الى السفر الى إيطاليا وإسبانيا واليونان للاستمتاع باللحم الابيض المتوسط وتبور بضاعتكم.

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]