هنادي محمد عبد المجيد

عبادات ملائكية 2

عبادات ملائكية 2
نستكمل نظراتنا العميقة في ملامح العبادات القديمة ،الجديدة بتجدد الإيمان ،والخلوات الروحية التأملية ، التي تتجسد في عبارات بديعة ذكرنا منها التأمل والتبتل والتدبر ونستكمل السرد اليوم بالتذكر والتسبيح والحمد ثم الحوقلة ، وكلها عبادات ملائكية في المقام الأول ، ثم تنزلت لمقامات الآدمية فبرع فيها الصالحون ،منهم الأنبياء والرسل ، ثم المعتصمون بحبل الله على جميع مدارجهم ومسالكهم ،وهي أدوات للوصول للمقامات ، والبارع هو من يستطيع تفعيلها والعمل بها،،<التذكر >التذكر تفعل من الذكر ، وهو ضد النسيان ،وهو حضور صورة المذكور في القلب،وأختير له بناء التفعل لحصوله بعد مهلة وتدرج، كالتبصر والتفهم والتعلم، قال تعالى:[ يوتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب]وقال تعالى:[ وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون]وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:زار النبي ص قبر أمه ، فبكى وأبكى من حوله، فقال:{استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور ، فإنها تذكر الموت}وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى:[إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون]هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ}وقال مجاهد “الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه” لأن التذكر يذهب الغفلة عن القلوب، ويوصلها بعلام الغيوب، والنظر في الآيات الكونية المشاهدة هو مادته، وإفساح الله تعالى لعباده في الأجل فرصة كافية للتذكر وأخذ العبر،كما أن قراءة القرآن بتدبر وتمعن سبيل عظيم من سبل التذكر والإتعاظ.<التسبيح>التسبيح يعني قول سبحان الله ، ومعناه: تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص، فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل . ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ،والتسبيح تنزيه الحق عن نقائص الإمكان والحدوث.قال تعالى:[ تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا]وقال تعالى:[ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا]وقال:[وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين]وقال تعالى:[ ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ]وعن سمرة بن جندب وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا:قال النبي ص { أفضل الكلام أربع لا تبالي بأيهن بدأت :سبحان الله ،والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر} وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:كنا عند رسول الله ص فقال:{ أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟قال:”يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة”}وعن أبي مالك الأشعري قال:قال رسول الله ص :{ الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها} وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله:{كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم}التسبيح يمتن صلة العبد بربه، ويقوي الإيمان في قلبه، وينجيه الله به من كل مهلكة وملمة، قال تعالى:[ فلولا أنه كان من المسبحين ، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون]<الحمد>هو إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه،قال تعالى:[ الحمد لله رب العالمين]وقال:[ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون] وقال :[ فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ءانائ الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:قال رسول الله ص :{ إذا مات ولد العبد ،قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون:نعم، فيقول :قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول:ما ذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد}وعن أنس بن مالك قال:قال رسول الله ص :{ إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها}الحمد من أعلى مقامات الإيمان، وهو سبب لجلب النعم المفقودة والمحافظة على الموجودة ،وهو سبب لغفران الذنوب وستر العيوب، والحميد إسم من أسماء الله الحسنى وهو المحمود المثنى عليه،والله سبحانه وتعالى هو الحميد بحمده لنفسه أزلا وبحمد عباده ه أبدا.<الحوقلة>وهي كلمة منحوتة من جملة<لا حول ولا قوة إلا بالله>ومعنى لا حول ولا قوة إلا بالله :إظهار الفقر إلى الله تعالى بطلب المعونة على ما يزاوله من الأمور، وهو حقيقة العبودية، وقيل المعنى: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله،ومما ورد في القرآن بمعنى الحوقلة قوله تعالى[ولولا إذ دخلت جنتك قلت ماشاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا]وعن أبي موسى الأشعري قال:كنا مع النبي ص في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال:{اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا}، ثم أتى علي وأنا أقول في نفسي:لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال:{ يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوة إلا بالله،فإنها كنز من كنوز الجنة}وعن أنس بن مالك أن النبي ص قال:{إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله ، وتوكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله،قال:يقال حينئذ: هديت وكفيت،ووقيت،فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر:كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي}الحوقلة كنز من الجنة إذا داوم عليها العبد، واعتقاد معناها والعمل بها يؤدي إلى معرفة الإنسان حقيقة نفسه، وكذلك معرفته بقدر ربه مما يزيد العبد بربه تعلقا، وإليه قربا، وله حبا، ومنه وجلا، وعليه توكلا، والحوقلة ترد كيد الشيطان في نحره، وتدمره تدميرا.اللهم اجعلنا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ،اللهم آمين.

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]