الطاهر ساتي

لسان الحال ..(معقولة ديل أحسن ناس في البلد والحزب ؟)


لسان الحال ..(معقولة ديل أحسن ناس في البلد والحزب ؟)
** ومن لطائف ذوي الخيال الواسع، يحكى..أن أحدهم قصد عيادة طبيب بشارع المستشفى بالخرطوم شاكيا من داء ما، وبعد الفحص والتحليل وتحديد الداء والدواء، نصحه الطبيب بأن يمشي يوميا مسافة كيلومتر أو أكثر ليقل وزنه وتنشط دورته الدموية..خزن مريضنا هذا تلك النصيحة الطبية في ذاكرته الخصبة واستلم روشتة الأدوية وغادر العيادة، ولكن اتصل بالطبيب بعد أسبوع ونيف منتشيا : كيفك يا دكتور؟، والله صحتي بقت زي الحصان ونصيحتك نفعت معاي وأنا هسة وصلت الحصاحيصا، أواصل المشي ولا كدة كفاية ؟..هكذا نفذ تلك النصيحة الطبية، أي نفذها بالنص الحرفي، بحيث لم يفهم خياله الخصب (ما المغزى من أن يمشي يوميا كيلومترا؟)، إلى أن وصل – بعد الفهم – الحصاحيصا ..!!
** ولهيئة مياه الخرطوم أيضا خيال واسع كخيال بطل حكايتنا تلك، أي يكتفي خيال الهيئة بتنفيذ نص التوجيهات ويغض الطرف نهائيا عن (مغزاها)..على سبيل المثال، أصدر والي الخرطوم قبل أسبوع ونيف توجيها لهيئة المياه بإيقاف تركيب عدادات الدفع المقدم في القطاع السكني بكل أرجاء الولاية، ولم يصدر هذا التوجيه إلا بعد أن تظاهر بعض أهل الخرطوم ضد تلك العدادات التي ركبتها الهيئة في مواسيرهم..استجابت الهيئة لتوجيه الوالي، ممتاز .. ولكنها، للأسف، استجابت لنص التوجيه وتجاهلت – ولاتزال – روحها ومغزاها.. كيف الكلام ده ؟..حسنا، فلنشرح كيف فهم خيال الهيئة ذاك التوجيه؟..عندما أصدر الوالي توجيهه، كانت هناك أحياء بولاية الخرطوم قد استقبلت تلك العدادات وركبتها في مواسيرها، منها الثورة الحارة 14 بأمدرمان، على سبيل المثال فقط لاغير..وما لم يكن خيالي كخيال بطل قصتنا تلك، توجيه الوالي يلزم هيئة المياه بسحب عداداتها من تلك الحارة – 14 – وغيرها من الحارات والأحياء التي تم فيها تركيب العدادات، ولكن خيال هيئة المياه يقول : (الوالي وجه بإيقاف تركيب العداد ولم يوجه بسحب العداد المركب.
** بذاك الفهم الغريب للتوجيه، ترفض الهيئة سحب عداداتها من مواسير الناس..أي منذ صدور التوجيه، ورغم أنف هذا التوجيه، لا يزال بعض الأهل بأمدرمان يكتوون بنار عدادات الدفع المقدم..وإذا ذهب الوالي أو غيره إلى مكاتب الهيئة بالحارة التاسعة، سوف يكتشف كيف يتعامل موظفو الهيئة من تظالمات الناس ومطالبتهم بالتساوي مع كل سكان الولاية في عدم استخدام المياه بواسطة عدادات الدفع المقدم..والأدهى والأمر أن الهيئة تهددهم بالغرامة وقطع الخدمة عنهم نهائيا في حال إزالتهم لتلك العدادات، وذلك بفهم من شاكلة : (ما جانا منشور من الوالي بإزالة عداداتكم، أمشو جيبوا لينا منشور)..هذا ليس من العدل يا هيئة المياه، نعم ليس من العدل أن يكتوي مواطن ب(الجمرة الخبيثة)، بيد أن جاره يدفع الرسوم القديمة والمعروفة، ويجب أن يتساوى الكل في تجنب تلك (الجمرة الخبيثة).. فالمغزى من إيقاف تركيب هذا العداد – يا خيال الهيئة – كان ولايزال هو أن يستمتع المواطنون بخدمة المياه بلا أية مضايقات من شاكلة عداداتكم هذه، ولم يكن المغزى هو (ما تركبوا للناس تاني، والركبتو ليهو يشيل شيلتو).. فاسحبوا عداداتكم قبل أن يخرجوا للشارع بهتاف) الشعب يريد إسقاط العداد)، ويومها سوف تهرولون نحو مواسيرهم بمعاول الإزالة، فالهيئة هذه – حسب تجارب بري والفتيحاب – لا تستحي من عظمة المسؤولية ولكنها (تخاف المسيرات) ..!!
** وبالمناسبة..كل هذه العدادات، التي تم تركيبها في تلك الأحياء والتي لم – ولن – يتم تركيبها بنص التوجيه، من سيتحمل قيمتها وتكاليف استيرادها ؟.. يعني بالبلدي كدة : خسائر العدادات دي بيتحملها منو؟ غير الشعب السوداني طبعا.. إذ كان استيرادها بكمية تكفي كل القطاعات بما فيها القطاع السكني، ثم إيقاف استخدامها، دليل على أن عقل الهيئة يعمل أولا ثم يفكر أخيرا..ولو كان يفكر أولا ثم يعمل بعد التفكير لما كبد الناس والبلد فواتير استيراد هذه العدادات.. فالهيئة ظنت أن أهل الخرطوم سوف يستقبلون عداداتها بالتهليل والتكبير والزغاريد، وما كانت تعلم أنهم سوف يقابلونها ب(إغلاق الشوارع)، أو هكذا سوف يكون تبريرهم حين تسألهم أية جهة – إن وجدت – عن المسؤول عن هذا (التخبط والعشوائية)..ولا أدري سر احتفاظ والي الخرطوم بإدارة هيئة تنفيذها يسبق تخطيطها.. يعني معقولة ديل أحسن ناس في البلد ولا حتى في الحزب ؟.. إن كانت الإجابة (نعم)، نسأل الله السلامة ..وعلى الناس والبلد (الف سلام) ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]