عبد اللطيف البوني

هذه الاقدام الحافية

هذه الاقدام الحافية
تصدرت صحف الخرطوم في اليومين الماضيين وحتما اليوم لليوم الثالث على التوالي ذلك الخبر المروع الذي مفاده وفاة اكثر من عشرين صبي يوم الخميس ثم وصل الرقم اكثر من خمسين في صحف الجمعة وقد يتواصل الارتفاع اليوم السبت وهؤلاء الصبية هم المشردون او اطفال الشوارع وبالمصطلح السوداني الشماسة. وسبب الوفاة كما هو معلن هو التسمم بتعاطي مادة سامة يوم الخميس كانت الاشارة الي )السلسيون) ويوم الجمعة تحول الاتهام الي الاسبيرت او السبيرتو وتشترك كلها في انها مواد تساعد على الادمان . ليست هذه اول مرة تحدث فيها مثل تلك الكارثة بل وعلى حسب الذي اورده الزميلان ياسر الكردي وهاجر سليمان في هذه الصحيفة انه في عام 2004 حدثت حالة تسمم مات من جرائها 45 مشردا ولكنها كانت في مكان واحد اما هذه فقد حدثت في اجزاء متفرقة من العاصمة المثلثة مما رجح شبهة ان العملية بفعل فاعل ولكن من هو الفاعل؟ وماهي دوافعه ؟ والاسئلة تترى ولكن لا اجابة على الاقل في الوقت الحاضر كما ان السبعة الناجين من الموت بعد عملية الغسيل الكلوي يرفضون الحديث رفضا باتا كماهي عادتهم في عدم التعاطي مع الاخرين . الجهات الرسمية ممثلة في وزير العدل ووكلاء النيابة في المدن الثلاث ومحافظ ام درمان خفت لامكنة الحوادث ولكن الملف مازال حائرا وسيظل الي ان تبين الحقائق.
ظاهرة اولاد الشوارع موجودة في كل مدن الدنيا واوضاعهم تختلف على حسب وضعية المدن التي يعيشون فيها وقد حظيت بمعرفة احدهم في واشنطون عام 1994 فكان يعيش في اطراف احدى الحدائق يلتحف بطانية سميكة وينام على الكنبة ياكل ويتجرع البيرة بما يجود به السابلة ولم يظلله سقف لاكثر من عشر سنوات وكان موضوعه واحدا وهو محاولات الراحل مايكل جاكسون تغيير ملامحه ليصبح رجلا ابيض ويومها كان جاكسون على قيد الحياه وكان شعار الشماسي (ما يكل جاكسون زنجي وسيظل زنجيا مهما فعل) وقال لي ان هذه قضيته التي نذر لها بقية عمره لان جاكسون خان الاصل على حسب رأيه.
في السودان اولاد الشوارع نطلق عليهم الشماسة والذين معظمهم في العاصمة اناس في غاية الوداعة ولم يسجل لهم اي عمل اجرامي الا نادرا وهم لايتكفكفون الناس بل يعيشون على بقايا الطعام المرمي في الكوش وكل اماكن النفايات ولهم لغتهم الخاصة وهي لغة الراندوق وقد غزت هذة اللغة الجامعات وكل المجتمعات السودانية . بطبيعتهم ينفرون من كافة الناس واستعصوا على اية محاولة لاستئناسهم او ادماجهم في الحياة العامة ولكن في نفس الوقت لم تبذل مجهودات كبيرة في هذا السبيل فالرعاية الاجتماعية اقصى ما قامت به هو دراسة هذه الفئة تمهيدا لحل مشكلتهم الذي لم يتم وليس في الافق ما يشي بان هناك حلا . نتمنى ان تحرك المأساة الاخيرة الجهات الرسمية والاهلية للالتفات نحو هؤلاء الابرياء الذين جنى عليهم المجتمع بلفظهم ولم يجنوا على احد وبهذه المناسبة المحزنة نتمنى ان يعيد التلفزيون مسلسل الاقدام الحافية الذي بث منه حوالى خمس حلقات ثم اوقفه بتلفون من جهة عليا بحجة انه يسئ للبلاد وهذا المسلسل كان يغوص في مجتمع الشماسة ويعرف الناس بهم ويدعو للاهتمام بهم والذين اعدوا المسلسل بذلوا جهدا كبيرا لمعرفة هذه الفئة معرفة حقيقية وهو من نوع الدراما التي يسبق فيها الواقع الخيال فهلا اطلق سراحه ؟؟؟.

حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]