الطاهر ساتي

مخاوف ما بعد انفصال جنوب السودان ..!!

مخاوف ما بعد انفصال جنوب السودان ..!!
** أهل جنوب السودان سعداء – ظاهريا – بميلاد دولتهم، بيد أن هناك توجس في أعماق قلوبهم وعقولهم من المصير المجهول.. الانفصال، أو فلنقل : الاستقلال وحده ليس هو المصير المنشود للشعوب.. فالسودان – الذي هم انتموا له وعاشوا فيه حينا من الدهر – نال استقلاله قبل نصف قرن، ومع ذلك لم يفارق التوجس من المصير المجهول تفكير شعبه إلى يومنا هذا، ولم يمض عهد أو عام وإلا كانت النخب تردد أسطوانة : السودان يمر بمنعطف تاريخي خطير..هذا المنعطف، كان ولا يزال هو التوجس الذي لازم أهل السودان من مصير ما بعد الاستقلال، إذا لم يفارقهم التوجس منذ اليوم الذي رفع فيه الأزهري العلم في سماء الخرطوم وإلى يوم الذي أنزل فيه البشير ذات العلم من سماء جوبا.. والأهل بالجنوب لم يفصلوا دولتهم فحسب، بل فصلوا بعض التوجس من المصير المجهول أيضا ..!!
** ولذلك قلت البارحة، وأكررها اليوم، بأن تلك السعادة الظاهرة في وجوههم ورقصاتهم وزغاريدهم تخبئ كما هائلا من المخاوف التي في عقول وقلوب نخبهم السياسية.. وهي مخاوف مشروعة، إذ بناء دولة مستقرة – في قارة أضلاعها تشكل مثلث الفقر والجهل والحرب – ليس بالأمر السهل..وضع جنوب السودان، داخليا وخارجيا، لا يختلف كثيرا عن وضع السودان ، داخليا وخارجيا أيضا..نعم هي دولة وليدة، ولكنها ورثت كل موبقات القارة الإفريقية، ومنها الصراعات القبلية ومتاعب دول الجوار غير المستقرة.. يوغندة والكنغو الديمقراطية وما بها من فقر وحرب ونزوح، لاتختلف عن ارتريا وتشاد وما بها من فقر وحرب ونزوح.. أي لم يفصل شعب جنوب السودان دولته فقط، بل فصل معها أيضا بعض متاعب دول الجوار.. وعليه، حكومة سلفا كير ليست مطالبة فقط بالقضاء على الصراعات الداخلية، بل مطالبة أيضا بالتعاون مع أنظمة يوغندا والكنغو – ومتمرديها ونازحيها- تعاونا يجنب شعب الجنوب تحمل المآسي القادمة من وراء حدود دولتهم الوليدة.. وعليها – حكومة سلفا – أن تتعظ من تجارب نهج حكومة الجارة الشمالية.!
** ثم .. أم المخاوف التي تؤرق مخيلة نخب جنوب السودان السياسية هي كيفية تجنب شعبها مغامرات حكومة السودان، وخاصة أن هناك حزمة قضايا عالقة وبحاجة إلى حلول سياسية، بيد أن حكومة السودان دائما وأبدا تضع الحلول السياسية في قائمة الحلول.. نعم هي جارة حكومتها مغرمة بالمغامرات العسكرية والحلول الأمنية، وهذا أمر يثير التوجس في نفوس النخب هناك، وقد يشكل هذا التوجس حاجزا يمنع بناء علاقات جيدة بين الدولتين في المستقبل القريب.. ومفردة الاستقلال التي طغت على بقية مفردات خطب المتحدثين يوم البارحة، تشير إلى أن في النفوس (شيء من حتى)، وقد لا يرتقي هذا الشيء – كما ونوعا – إلى (ما في نفس إرتريا من حتى إثيوبيا)، ولكن حتما هناك شيء في نفوس نخب وشعب الجنوب، من (حتى سنوات الحرب وفترة الشراكة التشاكسية)، وقد أشار إليه الرئيس كير تلميحا حين قال (لقد تعرضنا للقصف والانتهاك .. وسنغفر، ولكن من الصعب أن ننسى).. والكرة في ملعب حكومة السودان، أي بيدها هي – ولا بيد غيرها – التخلي عن نهج (تقديم الحلول العسكرية على الحلول السياسية) في حزم القضايا العالقة بين الدولتين.. لقد خسر الشعب – شمالا وجنوبا – وحدة السودان، ويجب ألا يخسر سلام السودان، أو هكذا يجب يكون شعار حكومة السودان في علاقاتها مع جنوب السودان.

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]