الطاهر ساتي

رياك قاي ..وتسليم مفاتيح الحزب …!!

رياك قاي ..وتسليم مفاتيح الحزب …!!
** بعد الأحداث التي شهدتها الخرطوم عقب وفاة قرنق، قصدت منزل أحد أعمامي بالكلاكلة شرق، وهي من المناطق التي تأثرت بتلك الأحدث الدموية..تجاوز حوش المنزل والوصول إلى صالون العم استغرق زمناً طويلاً، حيث الحوش كان يضج بأزيار، شوالات طلح، وأخرى فحم، حطب، حصير، أصايص زهور وأشياء أخرى تخطيها يحتاج إلى مهارة ..حدثني العم بأن لديهم قطعة أرض ظل يستأجرها جارهم كـ(زريبة فحم وتلك الأشياء)، وعندما اندلعت الأحداث خاف عليها من الحريق، وخزنها في حوشهم، ثم غادر الخرطوم مساء الأحداث ذاتها إلى مسقط رأسه بالجزيرة..ثم لظرف خاص، لا علاقة له بالأحداث، مكث جارهم هذا – صاحب الزريبة – مع أسرته بالجزيرة أسبوعاً ونيفاً، وكان من هناك يهاتف عمي بين الحين والآخر : يا حاج عبده عليك الله اتصرف بيع حصيرتين وحول ليّ ثمنهما رصيداً في تلفوني..يا عم عبده : عاشة جارتكم عاوزة مني باقي قروش، عليك الله ودي ليها نص شوال طلح..يا عم عبده : والله الحالة صعبة، أنا اتكلمت مع إبراهيم بتاع الزريبة اللي في الظلط، ودي ليهو زيرين و شوال فحم و تلاتة حصائر، وحول لي رصيد..وهكذا نجح جار العم في تحويل حوش عمي إلى (زريبة فحم)، بل نجح أيضا في استخدام عمي بحيث يكون بائعاً إلى أن يعود، وكانت أسرته في غاية الاستياء من هذا الوضع إلا أن عاد و استلم أمانته، ثم رحل أزياره وفحمه وحصائره وغيرها من حوش العم إلى ..(زريبته)..!!
** تذكرت حال أسرة عمي – خلال أسبوع غياب صاحب الزريبة – وأنا اقرأ خبراً مضحكاً يفيد بأن الدكتور رياك قاي – نائب رئيس المؤتمر الوطني- أصدر قراراً بإغلاق كل مكاتب المؤتمر الوطني بالجنوب وتسليم المفاتيح والأثاث والسيارات وغيرها لشباب الحركة الشعبية، وذلك عقب إعلانه انسلاخه من المؤتمر الوطني وانضمامه للحركة الشعبية.. و أجمل ما في القرار أنه صدر في مؤتمر صحفي بثه تليفزيون جوبا، حيث قال فيه رياك قولاً معناه : (خلاص، مافي حاجة اسمها مؤتمر وطني، لمو البيوت والعربات والأثاثات واستفيدوا منها، وهاكم دي المفاتيح).. وهذا يعني أن على سادة الحزب الحاكم بالخرطوم أن ينتهجوا نهج صاحب تلك الزريبة إذا رغبوا في مراجعة وضع وعضوية وحسابات حزبهم بجمهورية جنوب السودان، أي فليتصلوا على شباب الحركة الشعبية بمهاتفة من شاكلة: (يا شباب لو سمحتوا عندنا لاندكروزرات في مكاتب بحر الغزال، بيعوها و حولو التمن رصيد..يا شباب عندنا أثاثات ماليزية في مكاتبنا بجوبا، بيعوها واشحنو لينا – بي تمنها – تك و مهوقني..وكمان عندنا شوية عضوية في ملكال شيلوها يمكن تنفعكم في هتافات و مسيرات وكده.. وبالمناسبة ماتنسوا عندنا شوية شيوخ في واو، شيلوهم كلهم ، بينفعوا مستشارين تأصيل ومدراء مشاريع زي سندس وكده).. وهكذا.. وغير هذا النهج، لم يعد هناك أي تواصل أو اتصال بين قيادة المؤتمر الوطني بالخرطوم و قيادته وقواعده بالجنوب، لأن الدكتور رياك تصرف في مكاتب الحزب وأصولها وعضويتها – يوم رفع علم دولة الجنوب – كتصرف صاحب تلك الزريبة في فحمه وطلحه وحصيره يوم اندلاع أحدث الإثنين، إذ جمع الحزب بكل مافيه من أصول وعضوية وورده في حوش (شباب الحركة الشعبية).. !!
** على كل حال، خير وبركة، ونقول لشباب الحركة الشعبية : ألف مبروك، تلك المكاتب والعربات والأثاث والعضوية – إن وجدت – رزق ساقها الله إليكم..ولكن ثمة سؤال مهم جداً، فحواه : لماذا انهار المؤتمر الوطني – فكراً وبرنامجاً ومكاتب وقيادة وقاعدة – بالجنوب يوم انفصاله، بيد أن الحركة الشعبية لاتزال صامدة – فكراً وبرنامجاً ومكاتب وقيادة وعضوية – بالشمال رغم أنف الانفصال ؟..هذا السؤال يجب أن يؤرق العقول التي تصيغ أفكار الوطني وبرامجه وخطبه السياسية، إذ بقاء أي حزب في سوح السياسة – أو تبخره – مرتبط بأفكاره وبرامجه وخطبه، إذ صلحت تلك صمد الحزب حتى ولو كان معارضاً، وإذا فسدت تلك كسد الحزب حتى ولو كان حاكماً..الاتحاد الاشتراكي الذي كان يملأ الدنيا ضجيجاً قبل السادس من إبريل، تبخر يوم السادس من إبريل، وانتهى الحال بسادته وضجيجهم إلى عالم النسيان، بيد أن القوى السياسية التي كان ينتهكها ويضطهدها ذاك الاتحاد الاشتراكي صمدت ولاتزال، وهنا يتجلى الفرق بين القوى التي تصنعها الأفكار الحية والبرامج الطموحة والخطاب المقبول والقوى التي تصنعها السلطة فقط لاغير .. فأصلحوا أفكار حزبكم الحاكم وبرامجه وخطابه، بحيث تكون أفكاراً وبرامج وخطباً متصالحة مع غايات الشعب و تعبر عن طموحاته وتلبي احتياجاته..نعم أصلحوا حال حزبكم، لكي لاترغموا لاحقاً في جمهورية السودان على فعل ما يفعله حالياً أخوكم السابق – في السلطة – رياك قاي في جمهورية جنوب السودان .. !!.

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]