تحقيقات وتقارير
قراءة في وقائع المؤتمر العام الثاني «2 » :الحركة الشعبية و حكمة ابن عطاء الله السكندري
لم يكن وقع ما رشح من معلومات عن احتمال ترشح رياك مشار لمنصب رئيس الحركة فى مواجهة سلفاكير لدى المراقبين خارج قاعة المؤتمر اكثر من انه مناورة من مشار للضغط من اجل تعديل المقترح القاضى بهيكلة القيادة و اختيار نائب واحد للرئيس ، و ذلك لمعرفة كثيرين ان حظوظ الرجل فى الفوز ضئيلة و يرجع ذلك الى ان كثيرين فى الحركة لا زالوا يرون ان مشار و رفاقه قد شقوا صفوف الحركة عام 1991 فى ما عرف بانقلاب الناصر و لم يكتف بالانشقاق و انما قاتل الحركة بقواته و هو ما تمت الاشارة اليه فى المنفستو الجديد للحركة و الذى اجازه المؤتمر العام الثانى و قد اعتبر ذلك نوعا من الخيانة ، كما ان مشار نفسه يعى ذلك جيدا ، و يرى كثيرون ان مشار حال ترشحه و عدم فوزه لا يمكن ان يستمر فى الحركة و ربما فكر فى مغادرتها الى كيان اخر ، غير ان هذا الاحتمال ايضا يضع مشار مجددا امام تهمة شق الصف الجنوبى و يصمه بالعمالة لاعداء الحركة . لكن الشاهد ان الخارجين من داخل الغرف المغلقة كانوا يقولون لنا ان مشار كان مصرا على اعتماد الهيكلة الجديدة بان يكون هناك نائب واحد لرئيس الحركة فهل كان ذلك نابع من ثقة مفرطة لدى الرجل بانه سيكون صاحب المنصب، رغم ان كير كان رشح له جيمس وانى ايقا ، ام انه واثق من قلب الطاولة و الفوز بمنصب الرئيس اذا ما ترشح فى موازاة سلفاكير ؟ .. حسنا التحليل الراجح ان مشار مارس تكتيك «حافة الهاوية» و جعل المؤتمرين يمسكون انفاسهم من انه سينزل فى قائمة اخرى ضد سلفا الامر الذى كان يعنى حتما انشقاقا فى الحركة و هو ما كان حذر منه باقان اموم فى تصريحاته الصحافية، مناشدا قيادات الحركة بسحب ترشيحاتهم اذا ما وصل الامر الى خلق انقسام فى الحركة الشعبية ، و قد نجح مشار فى جعل المؤتمر و سلفا يتنازل عن المقترح و يعتمدوا الهيكلة القديمة بثلاثة نواب للرئيس ، و نجح الجميع عبر تغليب الحكمة و تقديم تنازلات راعوا فيها المصلحة العليا للحركة، و فى نفس الوقت لم يقفزوا فوق حقائق الواقع المعقد فى الجنوب فى وقته الراهن .
كان مشار اول من رشح سلفاكير لرئاسة الحركة عندما فتح باب الترشيح، و قال انه يرشح سلفا لانه الشخص الاقدر على قيادة الحركة بحكمة لتحقيق «السودان الجديد» و بذلك بدا مشار داعيا للسودان الجديد الذى كان احد مناهضيه عندما قاد انقلاب الناصر عام 1991 ،و فى هذا يقول منفستو الحركة الجديد ،«ولا يعنى كل هذا عدم وجود المتشككين في رؤية السودان الجديد في صفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي، فقد كانت ولا تزال هناك اختلافات. وفى الواقع، حدثت خلافات تحولت إلى مواجهات عنيفة في لحظات تاريخية معينة في سياق تطور الحركة الشعبية والجيش الشعبي. فهكذا، اصطدمت رؤية السودان الجديد وتبنى الأهداف والبرامج المتسق معها بصعوبات وعقبات منذ البدايات الأولى للحركة. فانشقت بعض قيادات الحركة مع بعض قيادات الآنانيا بحجة أن هدفهم هو القتال من اجل استقلال جنوب السودان. ولكن، بدلا عن منازلة حكومة الخرطوم لتحقيق هذا الهدف تحالفت هذه القيادات مع نفس الحكومة وقاتلت الحركة الشعبية والجيش الشعبي الناشئة لأربع سنوات » . فاز سلفاكير بالاجماع بعد تثنية باقان اموم للترشيح .
لم يكن ترشيح سلفاكير للرئاسة امتثالا للامر الواقع و لكن كان سلفاكير هو الاجدر بالمنصب بحكم تراتبيته فى هرم القيادة التأريخية للحركة و هو الوحيد الذى تبقى من الرعيل المؤسس للحركة كما انه كان الشخص الوحيد المجمع عليه فى هذه اللحظة التأريخية ، و كانت الحركة الشعبية قد نصبته رئيسا لها فى اعقاب الرحيل الدرامى لزعيمها التأريخى، و نجح الرجل فى العبور بسفينة الحركة فى تلك المرحلة العصيبة ، و كان طوال المرحلة السابقة يدير الحركة بكل تناقضاتها و تياراتها المتنافسة .
و كنت قلت فى قراءة سابقة لاجتماعات مجلس التحرير الوطنى للحركة الشعبية الذى انعقد بجوبا فى مارس الماضى ان التنافس بين القيادات و تيارى السودان الجديد و الجنوب اولا ادنى من سلفاكير و قد كان الرجل بارعا فى ان يضع نفسه طوال المرحلة الماضية فى الحياد و لكنى قلت ان سلفاكير سيجد نفسه فى المؤتمر العام مضطرا لتبنى احدى الاطروحتين و الانحياز اما لخيار الانكفاء جنوبا او السودان الجديد ، و بالفعل كان الرجل بليغا و جريئا فى التعبير عن موقفه فقد اكد بأقوى العبارات ان الحركة لها رؤية و هى رؤية السودان الجديد التى صاغها مؤسسها و زعيمها التأريخى الدكتور جون قرنق و انها ماضية بقوة فى سبيل تحقيقها و لم يكتف الرجل بذلك بل اعتبر ان الدعوة للانفصال او الانكفاء جنوبا موقف مذل للجنوبيين فى وقت بات بامكانهم ان يحكموا كل السودان .
سلفاكير انتخب رئيسا باجماع اكثر من 1500 من اعضاء المؤتمر العام ، بينما انتخب نوابه الثلاثة و الامين العام للحركة من مجلس التحرير الوطنى المنتخب و البالغ عدده 275 عضوا للرئيس حق تعيين 35 شخصا من اعضائه الامر الذى يجعله مفوضا تفويضا عاليا من اعلى هيئة فى الحركة وهى المؤتمر العام ، و يمنع ذلك اى احتكاك او صراع على النفوذ بينه و بين اى من نوابه مستقبلا كما ان دستور الحركة الجديد و المجاز بواسطة المؤتمر العام وفر له صلاحيات واسعة داخل الحركة ، بجانب الصلاحيات الدستورية الاخرى التى يتمتع بها بحكم مناصبه نائبا اول للرئيس و رئيسا لحكومة الجنوب و قائدا عاما للجيش الشعبى ، و كانت مجموعة الأزمات الدولية قد عبرت فى تقريرها الصادر فى مارس الماضى بعنوان «ما بعد الأزمة» قد عبرت عن مخاوفها من «ان واحدة من خلاصات أزمة الشريكين اوضحت خطورة تركيز السلطة فى يد سلفاكير من ان يصبح ديكتاتورا» و هى مخاوف تبدو منطقية لدى النظرة الاولى ، غير ان تجربة المؤتمر العام و الضغوط التى تعرض لها الرجل حتى يتراجع عن موقفه من مقترح اعادة هيكلة القيادة تشى بأنه غير راغب فى ان يصبح ديكتاتورا و انه يقيم وزنا و اعتبارا لاراء من يقود و يغلب المصلحة العامة لشعبه و حركته و انه قابل للتنازل متى ما اتضح له ان رأيه ليس محل اجماع ، لكن و فى نفس الوقت ستوفر الصلاحيات الواسعة التى منحت للرجل فى الحركة فرصة له ليطمئن قلبه من الشكوك التى ظلت تساوره و تغذيها اطراف داخل الحركة من ان البعض يدبر مؤامرة للاطاحة به من سدة قيادة الحركة الشعبية .
اواصل
علاء الدين بشير جريدة الصحافه
ala-4506@hotmail.com [/ALIGN]