الطاهر ساتي
(محلات ابن البادية).. لفك وتركيب الأغاني الوطنية..!!

** تذكرت ذاك الأنس الجميل مطلع الأسبوع الفائت، وصحيفتنا تستطلع بعض الشعراء والمطربين والملحنين حول انفصال الجنوب وأثر هذا الانفصال على مسيرتهم الفنية وما بها من أعمال وطنية.. أنس العاقب، مدني النخلي وغيرهما، إجاباتهم كانت مسؤولة وموضوعية، بحيث عبروا عن أحزانهم وعن فقدهم للجنوب، وأجمعوا على حديث فحواه: سنبقي الوجدان الشعبي في الشمال والجنوب موحدا من خلال الفن، وسنواصل الغناء للوحدة إلى أن تتحقق مرة أخرى، أو هكذا تحدثوا حديثا مسؤولا.. ولكن، تأملوا حديث صلاح بن البادية، حيث يقول نصا: (سوف تزدهر الأغنية ولن تتأثر بانفصال الجنوب، لأنه ليس لدينا عازفون من الجنوب).. هكذا اختزل القضية، في عازفين، أي كاختزال عمي رمز السلام في (صحن شوربة)..!!
** ولأن إجابته غير منطقية، سألته الزميلة نهاد أحمد: ولكن ماذا عن رائعة مبارك المغربي (حب الأديم)، التي تغنيها، حيث يقول فيها: بسواعدنا ونضالنا، في جنوبا وفي شمالنا، غيرنا مين يحرث أرضنا، يبني ويعمر بلدنا، غيرنا مين يفني الأعادي..؟.. فأجاب إبن البادية قائلا بالنص: أجريت تعديلا على كلمة (جنوبنا)، واستبدلتها بـ(غربنا).. وخلاص، أي هكذا السمكرة – والفك والتركيب – بمنتهى البساطة، وكأن قلوب الناس وعقولهم ووجدانهم مجرد (مواسير وبراميل).. زميلنا صلاح الدين مصطفى، أدهشته إفادات ابن البادية، وكتب زاوية استنكر فيها هذه (السطحية).. نعم، لقد صدق صلاح الدين في الوصف، كنت أحسب ابن البادية عميقا في التفكير وكذلك صادقا في مشاعره، حين تغنى بأعمال وطنية رائعة منها (حب الأديم)، ولكن – للأسف – كشف الرجل بأنه محض صوت ليس إلا، أي لا يفهم معاني (أغانيه)..!!
** وما صلاح إلا نموذج.. كثيرون هم الذين اختزلوا الجنوب في بعض ساسته أو في بتروله، كما اختزله ابن البادية في عازفين.. ولذلك، تبدو مشاعرهم وأحاسيسهم كالحجارة أو أشدة قسوة، منذ إعلان الانفصال، بحيث تراهم إما فرحين أو (لا يبالون بما حدث)، أي يقول لسان حالهم غير المسؤول: شنو يعني الجنوب؟ ما ينفصل، نحن برضو عندنا البترول.. أو كما يقول ابن البادية: شنو يعني (بجنوبنا)، ممكن نستبدلو (بغربنا).. هكذا تعرف قيمة وطنك في أفكارهم وقلوبهم يا صديق.. بل منهم من لا يزال يذبح الذبائح، منتشيا بالانفصال، ولو تأنوا قليلا ثم فكروا لعرفوا بأن الجهة الوحيدة التي شاركتهم نشوة الانفصال هي ما يسمونها – هم ذاتهم بالـ(العدو الصهيوني).. لماذا وكيف (تطابقت الأجندة والأهداف و.. الأفراح؟).. على كل حال، هي ليست بأزمة سياسية، أزمة السودان، بل (أكبر من كدة)، هي أزمة وطنية.. ولذلك، ليس بمدهش أن يستحي مطربونا من (أغانيهم الوطنية)..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]