جعفر عباس

شبابك دائم؟ أنت واهم

شبابك دائم؟ أنت واهم
أسهمت الاكتشافات والمخترعات العلمية في تحسين الوعي الصحي، وصار العامة يتحدثون عن السعرات الحرارية ومضار السمنة، وأصبح من حق دارس الجغرافيا أن يتحدث حديث العالم الخبير عن مخاطر الإفراط في تناول الدهون والنشويات، وفي قطر هناك داعية إسلامي محبوب لحلاوة وطلاقة لسانه، وروحه الخفيفة المرحة، وله شعبية كبيرة وسط المسلمين من غير العرب، لأنه مسئول عنهم بحكم وظيفته، وهو في الأصل فلاح من بلدة زفتا في مصر وبالتالي فإنني أحرص على مناداته بالزفتاوي، وإلى عهد قريب لم يكن شيخنا هذا، واسمه عبدالسلام البسيوني، يحسن استخدام جهاز الفيديو أو الهاتف الجوال، وعملت معه في «الرقابة» في تلفزيون قطر، وكنت أتهمه بأنه متشدد ومتطرف واستئصالي، لأنه كان يبتر أي مشهد «كده ولا كده»، فكان يضيف على كلامي ذاك بأن يصف نفسه بأنه ظلامي ورجعي، ودارت الأيام وصار بسيوني مسؤولا عن موقع إسلامي في الإنترنت، وصار يتكلم «كلام كبير»، عن الجيجابايت والروم والرام والهارد ديسك، وأصبح حجة في استخدام الانترنت، مع أنه، إلى يومنا هذا لا يحسن الأكل بالشوكة والسكين.. وفوق هذا فقد عمل على تجويد اللغة الانجليزية حتى يتسنى له تبادل الحديث مع المسلمين الخواجات والمؤلفة قلوبهم من الناطقين بغير العربية.. والشاهد في كل هذا أن كثيرين منا ومن بينهم البسيوني الفلاح، وجعفر المولود في عصر ما قبل اكتشاف الدايات/ القابلات، صاروا يتعاملون مع أدوات عصر التكنولوجيا بسهولة وسلاسة، ولكن ما يحيرني هو الهوس العجيب بالمحافظة على الشباب، المقرون مع الرغبة في العيش طويلا،.. طبعا لا بأس ولا ضير في أن يسعى الانسان إلى طلب العافية وتجنب التهلكة وسلوك الدروب التي تبعد شبح الموت،.. ولكن كيف يود إنسان أن يعمر طويلا من دون أن يشيخ؟ ولماذا الحرص الغريب على إخفاء معالم التقدم في السن؟.. أنا مثلا أعرف عمري بالضبط، وأعرف أن جسمي خضع لتغيرات مريبة وغير مريحة، ولكن ما جدوى أن أخدع الناس أو نفسي بصبغ شعري وإخفاء صلعتي والتجاعيد القبيحة التي تحيط بعيني، وذلك الأخدود الذي ظهر على خدي الذي كان ممتلئا في تلك المرحلة التي كنت أحسب فيها أن سعاد حسني تهيم بحبي؟ هل يخفى على أحد منا أن المطربة صباح على بعضها «استعارة» غير بليغة؟ هل يصدق أكثرنا غباءً أن الوهج الصادر من وجهها كله فوسفور ويورانيوم مستنفد؟ وقد أجد عذرا لامرأة تحرص على إخفاء أفاعيل الزمن، ولكن تعللاق رجال «راحت عليهم» بالشباب أمر غير مفهوم، فالشباب لا يُكتسب بالتمسح بدهان فرنسي أو دريم ويب (أنصح القراء غير المتحضرين بعدم تجريب دريم ويب هذا لأنه تلك الرغوة البيضاء العديمة الطعم التي توضع فوق الكيك والتورتة والجاتو).. نعم من الطبيعي أن يحزن البعض لفراق الشباب، ولكنه مرحلة من العمر لا يمكن شراؤها من الصيدلية، أو باقتناء مساحيق وكريمات فرنسية كانت أم يوغندية! بإمكانك أن تكون شابا وشعرك شائب أو رأسك جرداء، إذا كنت تعمل على تجديد عقلك وتواكب المستجدات في عالم المعرفة بجميع صنوفها… فالإنسان مثل جهاز الكمبيوتر، يأتي عليه حين من الدهر، فيتقشر طلاؤه ويصبح بطيئا في أدائه مقارنة بالأجيال الجديدة التي تطرح باستمرار في الأسواق، ولكن الكمبيوتر القديم يبقى مفيدا وصالحا للاستخدام إذا تم تحديث برامجه ونظمه وتوسعة ذاكرته، بل وبالتأكيد يكون محتوى الكمبيوتر أبوصلعة أكثر دسامة من الكمبيوتر «أبولمعة» الذي لم تختزن ذاكرته مواد كثيرة!! فلماذا تجعل من صباح بوهجها الزائف مثلك الأعلى وبإمكانك ان تكون أحلى منها بوهجك الجواني الذي ينعكس على شعرك المبيض او رأسك الأجرد اللامع، وشبكة المجاري على وجهك وعنقك التي تثبت لمن يتعامل معك أنك تعلمت من معاركك مع الدهر علما لا يوجد على مغلفات علب الكريمات والبودرة

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]