عبد اللطيف البوني

رمضان بين ثلاثة صحون


رمضان بين ثلاثة صحون
* كنا نضحك ملء شدقينا من نكتة الاعرابي، والعربي هنا ليس لها أي مدلول عنصري إنما ثقافي فقط وهي قريبة من المصطلح الشائع (أهل العوض) ولكنها لا تتطابق معه فالعروبية مرحلة بعد أهل العوض فالطرفة المنسوبة للعربي تقول (والله أكان ختينا الجقيمة البنجقمها مع الوضوء أكان رمضان كتلنا كتلة) والجقيمة هي تصغير جقمة بضم الجيم وهي ملء الفم بالماء او أي سائل(كدا المعنى بقى واضح) ولكن الآن هذه الطرفة ينبغي ألا تضحكنا لأن آية الله السيستاني وهو أعلى مرجعية شيعية في العراق أباح للصائمين المبتلين بالتدخين أن يدخنوا (سيجارتين تلاتة ) في نهار رمضان باعتبار أن الدخان (غلاب) ولا يدخل في شهوتي البطن والفرج وهناك مفكر حداثي مصري يدعى جمال البنا قال بإمكانية التدخين للمدخنين في نهار رمضان حتى لا يضطروا للتدخين سرا فيدخلوا في زمرة المنافقين. جمال البنا ليس عالم دين بل (عامل فيها ) مجدد إسلامي وبالتالي كلامة لا يدخل في زمرة الفتاوى على عكس رجل الدين آية الله السيستاني لكن (عليكم الله عربينا السوداني ما أحسن حالا من بتوع التدخين ديل).
* لقد اختلطت شعائر رمضان بشعائر اجتماعية واندغمت فيها وأصبحت من لوازمه فهناك صحن الأكل والصحن الهوائي أي اللاقط (الدش) والإشارة هنا للفضائيات وصحن العبادة ففيما يتعلق بالصحن الأول فالملاحظ أن شهر رمضان أصبح شهر للاستهلاك وانتعاش أسواق المأكولات والمشروبات مع أن حكمة الصوم تقوم على الجوع والعطش ليتذكر الناس مرارة الحرمان والمحرومين فقد أصبحت ميزانية رمضان الاستهلاكية هي الأعلى بين بقية أيام السنة فالبيوت في رمضان لا تكتفي بميزانيتها العادية الأمر الذي زاد (سخانة الجيوب) التي هي أصلا مسخنة وليكن الله في عون أرباب الأسر خاصة الذين ابتلاهم بأمهات أسر لا يعرفن التضخم ومحدودية الدخل والذي منه.
* أما الصحن الثاني فقد أصبح رمضان هو موسم المسلسلات الدرامية ذات الحجم العائلي فالفضائيات تستعرض عضلاتها المادية بالمسلسلات التي يحتشد فيها النجوم الكبار وهناك المسابقات المليارية والسهرات المنوعة كأنما الفضائيات تعمل كل العام من أجل رمضان، فالفضائيات السودانية التي أصبحت ذات عدد مقدر تنافس نفسها وبعضها وغيرها على اجتذاب المشاهد في رمضان وبعد رمضان تدخل في نومة غولية وهذه من الغول وبهذه المناسبة يبدو أن الفضائيات السودانية او على الأقل إحداها قد خرجت عن قواعد اللعب التلفزيوني النظيف فعملت على عرقلة برنامج أغاني وأغاني فوجدت ضالتها في غياب دولة القانون واندفاع السلفيين وتجبر المستوزرين.
* أما الصحن الثالث فدون شك أن رمضان شهر استثنائي عبادة وعادة فرغم كل الذي ذكرناه أعلاه من ظواهر قد تبدو كأنها تفلتات من حظيرة رمضان وموجهاته إلا أنه هو الشهر الذي تكثر فيه العبادة فكلنا نشاهد اكتظاظ صحون المساجد بالمصلين في التراويح وفي الأوقات الأخرى ونلاحظ كثرة التالين للقرآن الكريم فنفس الفرد الذي يكثر من الاستهلاك ومصاقرة التلفاز هو الذي يكثر من العبادة فهذا يعني أن لرمضان بركة تفوق أيام السنة العادية وهذا وحده كفيل بإثبات أفضلية هذا الشهر. تقبل الله صيامنا وقيامنا وأعاده الله علينا وبلادنا أقل تعثرا وأقل توعكا وأقل بشتنة وأقل استهدافا وأكثر تماسكا وأكثر تأهبا للانطلاق وأقرب لدولة القانون. آمين يارب العالمين.
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]