جعفر عباس

شيء من حتى


شيء من حتى
محمد بن سليمان الضالع مواطن سعودي مستطيل الشكل، ولولا بسطة في الطول حباه بها الله لكان «مربعا» أو بالأحرى مكعبا، وهو – عيني عليه باردة لأنني أحبه – من النوع الذي لو التقيت به ليلا في زقاق مظلم، أيقنت انك من الهالكين، ولعله المعني بقول الشاعر امرؤ القيس الكندي: كجلمود صخر حطه السيل من علِ!! ولكن ما ان تطالع تقاطيع وجهه حتى تدرك ان ذلك الجسم الضخم ينتهي عند وجه عذب الطفولة، لا يمكن ان يؤذي بعوضة (مع ان عطسة منه تكفي لإبادة البعوض في قارة كاملة)، أما إذا تكلم فإنك تدرك أنه رغم ضخامته يعاني فقر الدم الناتج عن خفة الدم، وتقول مصادر موثوق بها انه ولد ووزنه عشرة كيلوجرامات و430 جراما، ويقال ان اهل بريدة – مسقط رأسه- اختاروا لعائلته اسم الضالع بعد ميلاده وبعد رأوا انه متعدد الأضلاع، ولعلكم الآن أدركتم لماذا قام ولاة الأمر في بريدة بإعداد اضخم طبق كبسة في التاريخ خلال مهرجان أقاموه في صيف عام 2002، وكان يتألف من 150 كيلومترا من الرز ومائة كيلو طن من المكسرات وتسع من النوق وسبعة وسبعين خروفا!! نعم.. كان محمد الضالع عضوا في لجنة المهرجان!!
وكي لا تتهموني بالمبالغة في أمر البناء الجسماني للضالع اترككم مع قصيدة له في ديوان له عثرت عليه مؤخرا صدر عن الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون فرع القصيم بعنوان «شيء من حتى»، ويتحدث في القصيدة عن تجربته في مستشفى عندما فاض الكيل بزائدته الدودية فهددت بالانفجار ما لم يتم إخراجها من تلافيف بطنه: وبعدما تفحصوا «الإشاعة»/ علمت ان الأمر بعد ساعة/ وجرجروني داخل الأقسام/ وبعدها ألزمت بالصيام/ وفي الصباح جاءني الزبانية/ فحلقوا الشعر بأيد حانية/ ثم أتوني بقميص عار/ مفتح خلا من الأزرار (عندما وصلت الى هذا البيت حمدت الله انني لم أزره في المستشفى لأراه بقميص عار بلا أزرار، ولا أظن أنهم زودوه بأي قميص بسبب مشكلة «المقاس»).. ووضعوا في رأسي الطاقية/ وأصبحت أقدامنا مخفية (لاحظ انه يقول أقدامنا ولا يتكلم عن قدمين كسائر خلق الله)!! ألمهم أن الأطباء خدروه بعد ذلك ويقال انهم استخدموا لتلك الغاية لترين من المورفين، وما زال يعاني تأثيرها، فشعره وحكاياته كلها تدل على أنه مسطول، ولا تثريب عليه فهو رجل حسن التدين ولا يبدأ قصائده إلا بشكر الله على نعمائه، ولكن الضرورات تبيح المحظورات.
واستيقظ محمد الضالع صبيحة اليوم التالي ليتحدث عن معاناته من آلام العملية الجراحية: وعندما صحوت من بلوائي/ شعرت بالآلام والأرزاء/ وبعدها أتى لي الدكتور/ مطمئنا يقول يا صبور (يا مفتري هل الصبور انت الذي خضعت للعملية تحت التخدير ام الجراح الذي عانى الأمرين كي يعثر على زائدتك الدودية كما سنرى؟)… يقول له الدكتور: بشراك قد حالفنا النجاح/ والنصر والتوفيق والفلاح/ فبعد «جهد» دخل المنظار/ وبعده توالت الأخطار/ إذ تاه بين اللحم والشحوم/ ولم يسر في خطه المرسوم/ فعاود الكرّة والنزالا/ ليدخل المجهول والأهوالا/ لكنه قد عاد بالخسران/ بعد اختلاط الرأس بالمصران/ فقمت باستبداله في الحال/ فهو قصير ضاع في التلال… إنني أناشد وزير الصحة السعودي ان يمنح الجراح الذي استأصل زائدة الضالع اللولبية ترقية استثنائية ثم إحالته الى التقاعد لأنه بلا شك ما زال يعاني من الشد العصبي والعضلي والنفسي بعد أن اضاع المنظار في بطن الضالع ثم أتى بغيره ونجحت العملية!! وبعد ان استأجر مثقابا كهربائيا (دريل – وروار باللهجة الخليجية ودربكين بالعامية السودانية) للتنقيب عن الزائدة) فانكسر المثقاب واضطر الى دفع قيمته من جيبه.
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]